الأربعاء، 17 نوفمبر 2021

القران المعجزة وشرط المعجزة



المعجزة واحدة معجزات الأنبياء الدالة على صدقهم صلوات الله عليهم ، وسميت معجزة لأن البشر يعجزون عن الإتيان بمثلها ، وشرائطها خمسة ، فإن اختل منها شرط لا تكون معجزة .

فالشرط الأول : من شروطها أن تكون مما لا يقدر عليها إلا الله سبحانه . وإنما وجب حصول هذا الشرط للمعجزة لأنه لو أتى آت في زمان يصح فيه مجيء الرسل وادعى الرسالة وجعل معجزته أن يتحرك ويسكن ويقوم ويقعد لم يكن هذا الذي ادعاه معجزة له ، ولا دالا على صدقه لقدرة الخلق على مثله ، وإنما يجب أن تكون المعجزات كفلق البحر ، وانشقاق القمر ، وما شاكلها مما لا يقدر عليها البشر .

والشرط الثاني : هو أن تخرق العادة . وإنما وجب اشتراط ذلك لأنه لو قال المدعي للرسالة : آيتي مجيء الليل بعد النهار وطلوع الشمس من مشرقها ، لم يكن فيما ادعاه معجزة ، لأن هذه الأفعال وإن كان لا يقدر عليها إلا الله ، فلم تفعل من أجله ، وقد كانت قبل دعواه على ما هي عليه في حين دعواه ، ودعواه في دلالتها على نبوته كدعوى غيره ; فبان أنه لا وجه له يدل على صدقه ، والذي يستشهد به الرسول عليه السلام له وجه يدل على صدقه ، وذلك أن يقول : الدليل على صدقي أن يخرق الله تعالى العادة من أجل دعواي عليه الرسالة ، فيقلب هذه العصا ثعبانا ، ويشق الحجر ويخرج من وسطه ناقة ، أو ينبع الماء من بين أصابعي كما ينبعه من العين ، أو ما سوى ذلك من الآيات الخارقة للعادات ، التي ينفرد بها جبار الأرض والسماوات ; فتقوم له هذه العلامات مقام قول الرب سبحانه ، لو أسمعنا كلامه العزيز وقال : صدق ، أنا بعثته . ومثال هذه المسألة - ولله ولرسوله المثل الأعلى - ما لو كانت جماعة بحضرة ملك من ملوك الأرض ، وقال أحد رجاله وهو بمرأى منه والملك يسمعه : الملك يأمركم أيها الجماعة بكذا وكذا ، ودليل ذلك أن الملك يصدقني بفعل من أفعاله ، وهو أن يخرج خاتمه من يده قاصدا بذلك تصديقي ; فإذا سمع الملك كلامه لهم ودعواه فيهم ، ثم عمل ما استشهد به على صدقه ، قام ذلك مقام قوله لو قال : صدق فيما ادعاه علي . فكذلك إذا عمل الله عملا لا يقدر عليه إلا هو ، وخرق به العادة على يد الرسول قام ذلك الفعل مقام كلامه تعالى لو أسمعناه وقال : صدق عبدي في دعوى الرسالة ، وأنا أرسلته إليكم فاسمعوا له وأطيعوا .

[ ص: 72 ] والشرط الثالث : هو أن يستشهد بها مدعي الرسالة على الله عز وجل ; فيقول : آيتي أن يقلب الله سبحانه هذا الماء زيتا أو يحرك الأرض عند قولي لها : تزلزلي ; فإذا فعل الله سبحانه ذلك حصل المتحدى به .

الشرط الرابع : هو أن تقع على وفق دعوى المتحدي بها المستشهد بكونها معجزة له ، وإنما وجب اشتراط هذا الشرط لأنه لو قال المدعي للرسالة : آية نبوتي ودليل حجتي أن تنطق يدي أو هذه الدابة فنطقت يده أو الدابة بأن قالت : كذب وليس هو نبي ، فإن هذا الكلام الذي خلقه الله تعالى دال على كذب ذلك المدعي للرسالة ، لأن ما فعله الله لم يقع على وفق دعواه ، وكذلك ما يروى أن مسيلمة الكذاب - لعنه الله - تفل في بئر ليكثر ماؤها فغارت البئر وذهب ما كان فيها من الماء ، فما فعل الله سبحانه من هذا ، كان من الآيات المكذبة لمن ظهرت على يديه ، لأنها وقعت على خلاف ما أراده المتنبئ الكذاب .

والشرط الخامس : من شروط المعجزة ألا يأتي أحد بمثل ما أتى به المتحدى على وجه المعارضة ، فإن تم الأمر المتحدى به المستشهد به على النبوة على هذا الشرط مع الشروط المتقدمة ، فهي معجزة دالة على نبوة من ظهرت على يده ، فإن أقام الله تعالى من يعارضه حتى يأتي بمثل ما أتى به ويعمل مثل ما عمل بطل كونه نبيا ، وخرج عن كونه معجزا ولم يدل على صدقه ، ولهذا قال المولى سبحانه : فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين [ الطور : 34 ] وقال : أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات [ هود : 13 ] . كأنه يقول : إن ادعيتم أن هذا القرآن من نظم محمد - صلى الله عليه وسلم - وعمله فاعملوا عشر سور من جنس نظمه ، فإذا عجزتم بأسركم عن ذلك فاعلموا أنه ليس من نظمه ولا من عمله .

لا يقال : إن المعجزة المقيدة بالشروط الخمسة لا تظهر إلا على أيدي الصادقين ، وهذا المسيح الدجال فيما رويتم عن نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يظهر على يديه من الآيات العظام ، والأمور الجسام ، ما هو معروف مشهور ; فإنا نقول : ذلك يدعي الرسالة ، وهذا يدعي الربوبية وبينهما من الفرقان ما بين البصراء والعميان ، وقد قام الدليل العقلي على أن بعثة بعض الخلق إلى بعض غير ممتنعة ولا مستحيلة ، فلم يبعد أن يقيم الله تعالى الأدلة على صدق مخلوق أتى عنه بالشرع والملة .

ودلت الأدلة العقلية أيضا على أن المسيح الدجال فيه التصوير والتغيير من حال إلى حال ، وثبت أن هذه الصفات لا تليق إلا بالمحدثات ، تعالى رب البريات عن أن يشبه شيئا أو يشبهه شيء ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
--------------------------------
قوله تعالى : فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين

قوله تعالى : فذكر أي فذكر يا محمد قومك بالقرآن .

فما أنت بنعمة ربك يعني برسالة ربك بكاهن تبتدع القول وتخبر بما في غد من غير وحي .

ولا مجنون وهذا رد لقولهم في النبي صلى الله عليه وسلم ; فعقبة بن أبي معيط قال : إنه مجنون ، وشيبة بن ربيعة قال : إنه ساحر ، وغيرهما قال : كاهن ; فأكذبهم الله تعالى ورد عليهم . ثم قيل : إن معنى فما أنت بنعمة ربك القسم ; أي : وبنعمة الله ما أنت بكاهن ولا مجنون . وقيل : ليس قسما ، وإنما هو كما تقول : ما أنت بحمد الله بجاهل ; أي قد برأك الله من ذلك .

قوله تعالى : أم يقولون شاعر أي بل يقولون : محمد شاعر . قال سيبويه : خوطب العباد بما جرى في كلامهم . قال أبو جعفر النحاس : وهذا كلام حسن إلا أنه غير مبين ولا مشروح ; يريد سيبويه أن " أم " في كلام العرب لخروج من حديث إلى حديث ; كما قال [ الأعشى ] : [ ص: 67 ]


أتهجر غانية أم تلم فتم الكلام ثم خرج إلى شيء آخر فقال :


أم الحبل واه بها منجذم فما جاء في كتاب الله تعالى من هذا فمعناه التقرير والتوبيخ والخروج من حديث إلى حديث ، والنحويون يمثلونها ب " بل " .

نتربص به ريب المنون قال قتادة : قال قوم من الكفار تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه كما كفى شاعر بني فلان . قال الضحاك : هؤلاء بنو عبد الدار نسبوه إلى أنه شاعر ; أي يهلك عن قريب كما هلك من قبل من الشعراء ، وأن أباه مات شابا فربما يموت كما مات أبوه . وقال الأخفش : نتربص به إلى ريب المنون فحذف حرف الجر ، كما تقول : قصدت زيدا وقصدت إلى زيد . والمنون : الموت في قول ابن عباس .

قال أبو الغول الطهوي :


هم منعوا حمى الوقبى بضرب يؤلف بين أشتات المنون
أي : المنايا ; يقول : إن الضرب يجمع بين قوم متفرقي الأمكنة لو أتتهم مناياهم في أماكنهم لأتتهم متفرقة ، فاجتمعوا في موضع واحد فأتتهم المنايا مجتمعة . وقال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس : ريب في القرآن شك إلا مكانا واحدا في الطور ريب المنون يعني حوادث الأمور ; وقال الشاعر :


تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوما أو يموت حليلها
وقال مجاهد : ريب المنون حوادث الدهر ، والمنون هو الدهر ; قال أبو ذؤيب :


أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
وقال الأعشى :


أأن رأت رجلا أعشى أضر به ريب المنون ودهر متبل خبل
قال الأصمعي : المنون الليل والنهار ; وسميا بذلك لأنهما ينقصان الأعمار ويقطعان الآجال . وعنه : أنه قيل للدهر منون ، لأنه يذهب بمنة الحيوان أي قوته وكذلك المنية . أبو عبيدة : قيل للدهر منون ; لأنه مضعف ، من قولهم حبل منين أي ضعيف ، والمنين الغبار الضعيف . قال الفراء : والمنون مؤنثة وتكون واحدا وجمعا . الأصمعي : المنون واحد لا جماعة له . الأخفش : هو جماعة لا واحد له ، والمنون يذكر ويؤنث ; فمن ذكره جعله الدهر أو الموت ، ومن أنثه فعلى الحمل على المعنى كأنه أراد المنية .

[ ص: 68 ] قوله تعالى : قل تربصوا أي قل لهم يا محمد تربصوا أي : انتظروا .

فإني معكم من المتربصين أي من المنتظرين بكم العذاب ; فعذبوا يوم بدر بالسيف .

قوله تعالى : أم تأمرهم أحلامهم أي عقولهم بهذا أي بالكذب عليك .

أم هم قوم طاغون أي أم طغوا بغير عقول . وقيل : " أم " بمعنى بل ; أي : بل كفروا طغيانا وإن ظهر لهم الحق . وقيل لعمرو بن العاص : ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله بالعقل ؟ فقال : تلك عقول كادها الله ; أي لم يصحبها بالتوفيق . وقيل : أحلامهم أي أذهانهم ; لأن العقل لا يعطى للكافر ولو كان له عقل لآمن . وإنما يعطى الكافر الذهن فصار عليه حجة . والذهن يقبل العلم جملة ، والعقل يميز العلم ويقدر المقادير لحدود الأمر والنهي . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما أعقل فلانا النصراني ! فقال : مه ، إن الكافر لا عقل له ، أما سمعت قول الله تعالى : وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير . وفي حديث ابن عمر : فزجره النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : مه فإن العاقل من يعمل بطاعة الله ذكره الترمذي الحكيم أبو عبد الله بإسناده .

أم يقولون تقوله أي : افتعله وافتراه ، يعني القرآن . والتقول : تكلف القول ، وإنما يستعمل في الكذب في غالب الأمر . ويقال قولتني ما لم أقل ! وأقولتني ما لم أقل ; أي : ادعيته علي . وتقول عليه أي كذب عليه . واقتال عليه تحكم قال :


ومنزلة في دار صدق وغبطة وما اقتال من حكم علي طبيب
ف " أم " الأولى للإنكار والثانية للإيجاب أي ليس كما يقولون .

بل لا يؤمنون جحودا واستكبارا .

فليأتوا بحديث مثله أي بقرآن يشبهه من تلقاء أنفسهم إن كانوا صادقين في أن محمدا افتراه . وقرأ الجحدري " فليأتوا بحديث مثله " بالإضافة . والهاء في " مثله " للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأضيف الحديث الذي يراد به القرآن إليه لأنه المبعوث به . والهاء على قراءة الجماعة للقرآن . 
الجامع لأحكام القرآن »
سورة الطور »
قوله تعالى فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون 

صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم




كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة »
صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على الأبد

ذكر صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على الأبد
ذكر ما ورد في عدد أبواب الجنة واتساعها وعظمة جناتها
ذكر تعداد محال الجنة وارتفاعها واتساعها
ذكر ما يكون لأدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم من اتساع الملك العظيم والنعيم المقيم
ذكر غرف الجنة وارتفاعها وعظمها
ذكر أعلى منزلة في الجنة وهي الوسيلة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم
ذكر بنيان الجنة ومم قصورها
ذكر الخيام في الجنة
ذكر تربة الجنة
ذكر أنهار الجنة وأشجارها وثمارها
صفة الكوثر وهو أشهر أنهار الجنة
ذكر نهر البيذخ في الجنة
نهر بارق على باب الجنة
ذكر ما في الدنيا من أنهار الجنة
فصل في أشجار الجنة
فصل في غراس الجنة
فصل في ثمار الجنة
فصل في طير الجنة
ذكر طعام أهل الجنة وأكلهم فيها وشربهم
أحاديث أخر في طعام أهل الجنة
ذكر أول طعام يأكله أهل الجنة بعد دخولهم الجنة
ذكر لباس أهل الجنة فيها وحليتهم وصفات ثيابهم
صفة فرش أهل الجنة
صفة الحور العين وبنات آدم وشرفهن وفضلهن عليهن وكم لكل واحد منهن
ما ورد من غناء الحور العين في الجنة
ذكر جماع أهل الجنة لنسائهم من غير مني ولا أولاد إلا إن شاء أحدهم الولد
ذكر أن أهل الجنة لا يموتون فيها لكمال حياتهم
ذكر إحلال الرضوان عليهم وذلك أفضل ما لديهم
ذكر نظر الرب تعالى إلى أهل الجنة وتسليمه عليهم
ذكر رؤية أهل الجنة ربهم عز وجل في مثل أيام الجمع في مجتمع لهم معد لذلك
ذكر سوق الجنة
ذكر ريح الجنة وطيبه وانتشاره حتى إنه يشم من سنين عديدة ومسافة بعيدة
ذكر نور الجنة وبهائها وطيب فنائها وحسن منظرها في وقت صباحها ومسائها
ذكر الأمر بطلب الجنة وترغيب الله عباده فيها وأمرهم بالمبادرة إليها
ذكر أن الجنة حفت بالمكاره
أنواع المسرات والنعيم في جنات الخلد
ذكر خيل الجنة
ذكر تزاور أهل الجنة بعضهم بعضا وتذاكرهم أمورا كانت بينهم في الدنيا من طاعات وزلات
ذكر أول من يدخل الجنة
باب جامع لأحكام تتعلق بالجنة وأحاديث شتى وردت فيها
 
[ ص: 257 ] ذكر صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على الأبد ، لا يفنى ولا يضمحل ولا يبيد أبدا بل كل ما له في ازدياد وبهاء وحسن ، نسأل الله سبحانه الجنة ، ونعوذ به من النار

قال تعالى : أكلها دائم وظلها [ الرعد : 35 ] . والمنقطع ولو بعد ألوف من السنين ليس بدائم ، وقال تعالى : إن هذا لرزقنا ما له من نفاد [ ص : 54 ] . والمنقطع ينفد ، وقال تعالى : ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ النحل : 96 ] . فأخبر أن الدنيا وما فيها ينفد ، وما عند الله باق لا ينفد ، فلو كان له آخر لكان ينفد كما ينفد نعيم الدنيا . وقال تعالى : لهم أجر غير ممنون [ الانشقاق : 25 ] أي : غير مقطوع . قاله طائفة من المفسرين ; غير مقطوع ولا منقوص ، ومنه المنون ، وهو قطع عمر الإنسان ، وعن مجاهد : غير محسوب . وهو مثل الأول ; لأن ما ينقطع محسوب مقدر ، بخلاف ما لا نهاية له .

قوله تعالى : مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار

قوله تعالى : مثل الجنة التي وعد المتقون اختلف النحاة في رفع " مثل " فقال سيبويه : ارتفع بالابتداء والخبر محذوف ; والتقدير : وفيما يتلى عليكم مثل الجنة . وقال الخليل : ارتفع بالابتداء وخبره تجري من تحتها الأنهار أي صفة الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار ; كقولك : قولي يقوم زيد ; فقولي مبتدأ ، ويقوم زيد خبره ; والمثل بمعنى الصفة موجود ; قال الله تعالى : ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل وقال : ولله المثل الأعلى أي الصفة العليا ; وأنكره أبو علي وقال : لم يسمع مثل بمعنى الصفة ; إنما معناه الشبه ; ألا تراه يجري مجراه في مواضعه ومتصرفاته ، كقولهم : مررت برجل مثلك ; كما تقول : مررت برجل شبهك ; قال : ويفسد أيضا من جهة المعنى ; لأن مثلا إذا كان معناه صفة كان تقدير الكلام : صفة الجنة التي فيها أنهار ، وذلك غير مستقيم ; لأن الأنهار في الجنة نفسها لا صفتها وقال الزجاج : مثل الله - عز وجل - لنا ما غاب عنا بما نراه ; والمعنى : مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار ; وأنكرهأبو علي فقال : لا يخلو المثل على قوله أن يكون الصفة أو الشبه ، وفي كلا الوجهين لا يصح ما قاله ; لأنه إذا كان بمعنى الصفة لم يصح ، لأنك إذا قلت : صفة الجنة جنة ، فجعلت الجنة خبرا لم يستقم ذلك ; لأن الجنة لا تكون الصفة ، وكذلك أيضا شبه الجنة جنة ; ألا ترى أن الشبه عبارة عن المماثلة التي بين المتماثلين ، وهو حدث ; والجنة غير حدث ; فلا يكون الأول الثاني . وقال الفراء : المثل مقحم للتأكيد ; والمعنى : الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار ; والعرب تفعل ذلك كثيرا بالمثل ; كقوله : ليس كمثله شيء : أي ليس هو كشيء . وقيل التقدير : صفة الجنة التي وعد [ ص: 284 ] المتقون صفة جنة تجري من تحتها الأنهار وقيل معناه : شبه الجنة التي وعد المتقون في الحسن والنعمة والخلود كشبه النار في العذاب والشدة والخلود ; قاله مقاتل .

أكلها دائم لا ينقطع ; وفي الخبر : إذا أخذت ثمرة عادت مكانها أخرى وقد بيناه في " التذكرة " . وظلها أي وظلها كذلك ; فحذف ; أي ثمرها لا ينقطع ، وظلها لا يزول ; وهذا رد على الجهمية في زعمهم أن نعيم الجنة يزول ويفنى .

تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار أي عاقبة أمر المكذبين وآخرتهم النار يدخلونها .
 

الجامع لأحكام القرآن »
سورة الرعد »
قوله تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها 

ذكر الأحاديث الواردة في ذلك { في نزول عيسي بن مريم}



219 ] ذكر الأحاديث الواردة في ذلك

قد تقدم في حديث النواس بن سمعان عند مسلم أن عيسى ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق . وفي غير رواية مسلم : أنه ينزل على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق . وهذا أشبه ، فإن في سياق الحديث " فينزل وقد أقيمت الصلاة للصبح فيقول له إمام المسلمين : تقدم يا روح الله . فيقول : لا ، إنها إنما أقيمت لك " ففيه من الدلالة الظاهرة أنه ينزل على منارة المعبد الأعظم الذي يكون فيه إمام المسلمين إذ ذاك ، وإمام المسلمين يومئذ هو المهدي فيما قيل ، وهو جامع دمشق الأكبر . والله أعلم .

وقد تقدم في حديث أبي أمامة أنه ينزل في غير دمشق ، وليس ذلك بمحفوظ .

وكذا الحديث الذي ساقه ابن عساكر في " تاريخه " من طريق محمد بن عائذ ، ثنا الوليد ، ثنا من سمع عبد الرحمن بن ربيعة ، يحدث عن عبد الرحمن بن أيوب بن نافع بن كيسان ، عن جده نافع بن كيسان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل عيسى ابن مريم عند باب دمشق - قال نافع : ولا أدري أي بابها يريد - عند المنارة البيضاء لست ساعات من النهار في ثوبين ممشقين ، كأنما يتحدر من رأسه اللؤلؤ " . ففيه مبهم لم يسم ، وهو منكر; إذ هو مخالف لما ثبت في الصحاح من أن نزوله وقت السحر عند إضاءة الفجر وقد [ ص: 220 ] أقيمت الصلاة ، والله أعلم .

قال مسلم : حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم ، سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي يقول : سمعت عبد الله بن عمرو وجاءه رجل فقال : ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ تقول : إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا . فقال : سبحان الله - أو لا إله إلا الله ، أو كلمة نحوهما - لقد هممت أن لا أحدث أحدا شيئا أبدا ، إنما قلت : إنكم سترون بعد قليل أمرا عظيما; يحرق البيت ، ويكون ويكون . ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرج الدجال في أمتي ، فيمكث أربعين - لا أدري أربعين يوما ، أو أربعين شهرا ، أو أربعين عاما - فيبعث الله تعالى عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود ، فيطلبه فيهلكه ، ثم يمكث الناس سبع سنين ، ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام ، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته ، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه ، حتى تقبضه " . قال : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : " فيبقى شرار الناس في خفة الطير ، وأحلام السباع ، لا يعرفون معروفا ، ولا ينكرون منكرا ، فيتمثل لهم الشيطان فيقول : ألا تستجيبون؟ فيقولون : فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان ، وهم في ذلك دار رزقهم ، حسن عيشهم ، ثم ينفخ في الصور ، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا " . قال : " وأول من [ ص: 221 ] يسمعه رجل يلوط حوض إبله " . قال : " فيصعق ، ويصعق الناس ، ثم يرسل الله - أو قال : " ينزل الله " - مطرا ، كأنه الطل - أو الظل ، نعمان الشاك - فتنبت منه أجساد الناس ، ثم ينفخ فيه أخرى ، فإذا هم قيام ينظرون ، ثم يقال : يا أيها الناس ، هلموا إلى ربكم وقفوهم إنهم مسئولون [ الصافات " 24 ] يقال : أخرجوا بعث النار . فيقال : من كم؟ فيقال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين " . قال : " وذلك يوم يجعل الولدان شيبا ، ويوم يكشف . عن ساق " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سريج ، حدثنا فليج ، عن الحارث بن فضيل ، عن زياد بن سعد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل ابن مريم إماما عادلا ، وحكما مقسطا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويرجع السلم ، وتتخذ السيوف مناجل ، وتذهب حمة كل ذات حمة ، وتنزل السماء رزقها ، وتخرج الأرض بركتها ، حتى يلعب الصبي بالثعبان ولا يضره ، ويراعي الغنم الذئب فلا يضرها ، ويراعي الأسد البقر فلا يضرها " . تفرد به أحمد ، وإسناده جيد قوي صالح .

وقال البخاري : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، [ ص: 222 ] حدثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة خيرا من الدنيا وما فيها " . ثم يقول أبو هريرة : واقرءوا إن شئتم : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا [ النساء : 159 ] .

وكذا رواه مسلم ، عن حسن الحلواني ، وعبد بن حميد ، كلاهما عن يعقوب بن إبراهيم به ، وأخرجاه أيضا من حديث سفيان بن عيينة ، والليث بن سعد ، عن الزهري به .

وروى أبو بكر بن مردويه ، من طريق محمد بن أبي حفصة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوشك أن يكون فيكم ابن مريم حكما عدلا ، يقتل الدجال ، ويقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويضع الجزية ، ويفيض المال ، وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين " . قال أبو هريرة : واقرءوا إن شئتم : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته . موت عيسى ابن مريم ، ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا سفيان ، وهو ابن حسين ، عن [ ص: 223 ] الزهري ، عن حنظلة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل عيسى ابن مريم ، فيقتل الخنزير ، ويمحو الصليب ، وتجمع له الصلاة ، ويعطي المال حتى لا يقبل ، ويضع الخراج ، وينزل الروحاء ، فيحج منها أو يعتمر ، أو يجمعهما " . قال : وتلا أبو هريرة : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا . فزعم حنظلة أن أبا هريرة قال : يؤمن به قبل موت عيسى . فلا أدري ، هذا كله حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، أو شيء قاله أبو هريرة؟ .

وروى الإمام أحمد ومسلم ، من حديث الزهري ، عن حنظلة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليهلن عيسى ابن مريم ، من فج الروحاء بالحج والعمرة ، أو ليثنينهما جميعا " .

وقال البخاري : حدثنا ابن بكير ، حدثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري ، أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم؟ " ثم قال البخاري : تابعه عقيل والأوزاعي .

وقد رواه الإمام أحمد ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، وعن عثمان بن عمر ، [ ص: 224 ] عن ابن أبي ذئب ، كلاهما عن الزهري به .

وأخرجه مسلم من حديث يونس والأوزاعي وابن أبي ذئب ، عن الزهري ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، أخبرنا قتادة ، عن عبد الرحمن ، وهو ابن آدم مولى أم برثن صاحب السقاية ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد ، وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم; لأنه لم يكن بيني وبينه نبي ، وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، عليه ثوبان ممصران ، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ويضع الجزية ، ويدعو الناس إلى الإسلام ، ويهلك الله في زمانه الأمم كلها إلا الإسلام ، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال ، ثم تقع الأمنة على الأرض ، حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمار مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيات ، لا تضرهم ، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ، ويصلي عليه المسلمون " . وهكذا رواه أبو داود ، عن هدبة بن خالد ، عن هشام بن يحيى ، عن قتادة به .

ورواه ابن جرير ، ولم يورد عند تفسيرها غيره ، عن بشر بن معاذ ، عن يزيد ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة بنحوه ، وهذا إسناد جيد قوي .

[ ص: 225 ] وروى البخاري ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا أولى الناس بابن مريم ، والأنبياء أولاد علات ، ليس بيني وبينه نبي " . ثم روى عن محمد بن سنان ، عن فليح بن سليمان ، عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة ، والأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد " . ثم قال : وقال إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . فهذه طرق متعددة كالمتواترة عن أبي هريرة ، رضي الله عنه .  
-------------------
قوله تعالى : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك نفعل بالمجرمين إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون

قوله تعالى : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم هو من قول الله تعالى للملائكة : احشروا المشركين وأزواجهم أي : أشياعهم في الشرك ، والشرك : الظلم ، قال الله تعالى : إن الشرك لظلم عظيم فيحشر الكافر مع الكافر ، قاله قتادة وأبو العالية . وقال عمر بن الخطاب في قول الله - عز وجل - : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم قال : الزاني مع الزاني ، وشارب الخمر مع شارب الخمر ، وصاحب السرقة مع صاحب السرقة . وقال ابن [ ص: 68 ] عباس : وأزواجهم أي : أشباههم . وهذا يرجع إلى قول عمر . وقيل : " وأزواجهم " : نساؤهم الموافقات على الكفر ، قاله مجاهد والحسن ، ورواه النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب . وقال الضحاك : وأزواجهم قرناءهم من الشياطين . وهذا قول مقاتل أيضا : يحشر كل كافر مع شيطانه في سلسلة . من دون الله أي من الأصنام والشياطين وإبليس . فاهدوهم إلى صراط الجحيم أي سوقوهم إلى النار . وقيل : فاهدوهم أي : دلوهم . يقال : هديته إلى الطريق ، وهديته الطريق ، أي : دللته عليه . وأهديت الهدية وهديت العروس ، ويقال أهديتها ، أي : جعلتها بمنزلة الهدية .

قوله تعالى : وقفوهم إنهم مسئولون وحكى عيسى بن عمر " أنهم " بفتح الهمزة . قال الكسائي : أي : لأنهم وبأنهم ، يقال : وقفت الدابة أقفها وقفا فوقفت هي وقوفا ، يتعدى ولا يتعدى ، أي : احبسوهم . وهذا يكون قبل السوق إلى الجحيم ، وفيه تقديم وتأخير ، أي : قفوهم للحساب ثم سوقوهم إلى النار . وقيل : يساقون إلى النار أولا ثم يحشرون للسؤال إذا قربوا من النار . إنهم مسئولون عن أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم ، قاله القرظي والكلبي . الضحاك : عن خطاياهم . ابن عباس : عن لا إله إلا الله . وعنه أيضا : عن ظلم الخلق . وفي هذا كله دليل على أن الكافر يحاسب . وقد مضى في [ الحجر ] الكلام فيه . وقيل : سؤالهم أن يقال لهم : ألم يأتكم رسل منكم إقامة للحجة . ويقال لهم : ما لكم لا تناصرون على جهة التقريع والتوبيخ ، أي : ينصر بعضكم بعضا فيمنعه من عذاب الله . وقيل : هو إشارة إلى قول أبي جهل يوم بدر : نحن جميع منتصر وأصله تتناصرون ، فطرحت إحدى التاءين تخفيفا . وشدد البزي التاء في الوصل .

قوله تعالى : بل هم اليوم مستسلمون قال قتادة : مستسلمون في عذاب الله عز وجل . ابن عباس : خاضعون ذليلون . الحسن : منقادون . الأخفش : ملقون بأيديهم . والمعنى متقارب . وأقبل بعضهم على بعض يعني الرؤساء والأتباع " يتساءلون " : يتخاصمون . ويقال : لا يتساءلون فسقطت لا . النحاس : وإنما غلط الجاهل باللغة فتوهم أن هذا من قوله : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون إنما هو لا يتساءلون بالأرحام ، فيقول أحدهم : أسألك بالرحم الذي بيني وبينك لما نفعتني ، أو أسقطت لي حقا لك علي ، أو وهبت لي حسنة . وهذا بين ; لأن قبله " فلا أنساب بينهم " أي : ليس ينتفعون بالأنساب التي بينهم ، كما جاء في الحديث : إن الرجل ليسر بأن يصبح له على أبيه أو على ابنه حق فيأخذه منه لأنها [ ص: 69 ] الحسنات والسيئات ، وفي حديث آخر : رحم الله امرأ كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فأتاه فاستحله قبل أن يطالبه به فيأخذ من حسناته ، فإن لم تكن له حسنات زيد عليه من سيئات المطالب . و " يتساءلون " هاهنا إنما هو أن يسأل بعضهم بعضا ويوبخه في أنه أضله ، أو فتح له بابا من المعصية ، يبين ذلك أن بعده " إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين " قال مجاهد : هو قول الكفار للشياطين . قتادة : هو قول الإنس للجن . وقيل : هو من قول الأتباع للمتبوعين ، دليله قوله تعالى : ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول الآية . قال سعيد عن قتادة : أي : تأتوننا عن طريق الخير وتصدوننا عنها . وعن ابن عباس نحو منه . وقيل : تأتوننا عن اليمين التي نحبها ونتفاءل بها لتغرونا بذلك من جهة النصح . والعرب تتفاءل بما جاء عن اليمين وتسميه السانح . وقيل : تأتوننا عن اليمين تأتوننا مجيء من إذا حلف لنا صدقناه . وقيل : تأتوننا من قبل الدين فتهونون علينا أمر الشريعة وتنفروننا عنها .

قلت : وهذا القول حسن جدا ; لأن من جهة الدين يكون الخير والشر ، واليمين بمعنى الدين ، أي : كنتم تزينون لنا الضلالة . وقيل : اليمين بمعنى القوة ، أي : تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر ، قال الله تعالى : فراغ عليهم ضربا باليمين أي : بالقوة وقوة الرجل في يمينه ، وقال الشاعر : 
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين

أي : بالقوة والقدرة . وهذا قول ابن عباس . وقال مجاهد : تأتوننا عن اليمين أي : من قبل الحق أنه معكم ، وكله متقارب المعنى . قالوا بل لم تكونوا مؤمنين قال قتادة : هذا قول الشياطين لهم . وقيل : من قول الرؤساء ، أي : لم تكونوا مؤمنين قط حتى ننقلكم منه إلى الكفر ، بل كنتم على الكفر فأقمتم عليه للإلف والعادة . وما كان لنا عليكم من سلطان أي من حجة في ترك الحق بل كنتم قوما طاغين أي ضالين متجاوزين الحد . فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون هو أيضا من قول المتبوعين ، أي : وجب علينا وعليكم قول ربنا ، فكلنا ذائقون العذاب ، كما كتب الله وأخبر على ألسنة الرسل لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وهذا [ ص: 70 ] موافق للحديث : إن الله - جل وعز - كتب للنار أهلا وللجنة أهلا ، لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم .

فأغويناكم أي زينا لكم ما كنتم عليه من الكفر إنا كنا غاوين بالوسوسة والاستدعاء . فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون الضال والمضل . إنا كذلك أي مثل هذا الفعل نفعل بالمجرمين أي المشركين . إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون أي إذا قيل لهم قولوا ، فأضمر القول . و " يستكبرون " في موضع نصب على خبر كان . ويجوز أن يكون في موضع رفع على أنه خبر إن ، وكان ملغاة . ولما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب عند موته واجتماع قريش : قولوا لا إله إلا الله تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم أبوا وأنفوا من ذلك . وقال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أنزل الله تعالى في كتابه فذكر قوما استكبروا فقال : إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون وقال تعالى : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وهي ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) استكبر عنها المشركون يوم الحديبية يوم كاتبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قضية المدة ، ذكر هذا الخبر البيهقي ، والذي قبله القشيري . 
الجامع لأحكام القرآن »
سورة الصافات »
قوله تعالى احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون 

ذكر نزول عيسى ابن مريم من السماء الدنيا إلى الأرض في آخر الزمان



ذكر نزول عيسى ابن مريم من السماء الدنيا إلى الأرض في آخر الزمان

قال تعالى : وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا [ النساء : 157 - 159 ] .

قال ابن جرير في تفسيره : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته . قال : قبل موت عيسى ابن مريم . وهذا إسناد صحيح ، وكذا روى العوفي ، عن ابن عباس .

وقال أبو مالك : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته . ذلك عند نزول عيسى ابن مريم ، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به . وقال الحسن البصري : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته . قال : قبل موت عيسى ، والله إنه الآن حي عند الله ، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون . رواه ابن جرير .

[ ص: 218 ] وروى ابن أبي حاتم عنه : أن رجلا سأل الحسن عن قوله تعالى : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته . فقال : قبل موت عيسى ، إن الله رفع عيسى إليه ، وهو باعثه قبل يوم القيامة مقاما يؤمن به البر والفاجر . وهكذا قال قتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد ، وهو ثابت في الصحيحين ، عن أبي هريرة ، كما سيأتي موقوفا ، وفي رواية مرفوعا . والله أعلم .

وهذا هو المقصود من السياق الإخبار بحياته الآن في السماء ، وليس الأمر كما يزعمه أهل الكتاب الجهلة أنهم صلبوه بل رفعه الله إليه ، ثم ينزل من السماء قبل يوم القيامة ، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة كما سبق في أحاديث الدجال ، وكما سيأتي أيضا ، وبالله المستعان .

وقد روي عن ابن عباس وغيره أن الضمير في قوله : قبل موته عائد على أهل الكتاب ، أي يؤمن بعيسى قبل الموت ، وذلك لو صح لما كان مخالفا للأول ، ولكن الصحيح في المعنى والإسناد ما ذكرناه ، وقد قررناه في كتابنا " التفسير " بما فيه كفاية ، ولله الحمد والمنة . 

قوله تعالى : وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما

قوله تعالى : وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم كسرت إن لأنها مبتدأة بعد القول وفتحها لغة . وقد تقدم في " آل عمران " اشتقاق لفظ المسيح . رسول الله بدل ، وإن شئت على معنى أعني . وما قتلوه وما صلبوه رد لقولهم . ولكن شبه لهم أي ألقي شبهه على غيره كما تقدم في " آل عمران " . وقيل : لم يكونوا يعرفون شخصه وقتلوا الذي قتلوه وهم شاكون فيه ، كما قال تعالى : وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه والإخبار قيل : إنه عن جميعهم . وقيل : إنه لم يختلف فيه إلا عوامهم ؛ ومعنى اختلافهم قول بعضهم إنه إله ، وبعضهم هو ابن الله . قاله الحسن : وقيل اختلافهم أن عوامهم قالوا قتلنا عيسى . وقال من عاين رفعه إلى السماء : ما قتلناه . وقيل : اختلافهم أن النسطورية من النصارى قالوا : صلب عيسى من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته . وقالت الملكانية : وقع الصلب والقتل على المسيح بكماله ناسوته ولاهوته . وقيل : اختلافهم هو أنهم قالوا : إن كان هذا صاحبنا فأين عيسى ؟ ! وإن كان هذا عيسى فأين صاحبنا ؟ ! وقيل : اختلافهم هو أن اليهود قالوا : نحن قتلناه ؛ لأن يهوذا رأس اليهود هو الذي سعى في قتله . وقالت طائفة من النصارى : بل قتلناه نحن . وقالت طائفة منهم : بل رفعه الله إلى السماء ونحن ننظر إليه . ما لهم به من علم من زائدة ؛ وتم الكلام . ثم قال جل وعز : إلا اتباع الظن استثناء ليس من الأول في موضع نصب ، ويجوز أن يكون في موضع رفع على البدل ؛ أي ما لهم به من علم إلا اتباع الظن . وأنشد سيبويه : 
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس [ ص: 373 ] قوله تعالى : وما قتلوه يقينا قال ابن عباس والسدي : المعنى ما قتلوا ظنهم يقينا ؛ كقولك : قتلته علما إذا علمته علما تاما ؛ فالهاء عائدة على الظن . قال أبو عبيد : ولو كان المعنى وما قتلوا عيسى يقينا لقال : وما قتلوه فقط . وقيل : المعنى وما قتلوا الذي شبه لهم أنه عيسى يقينا ؛ فالوقف على هذا على يقينا . وقيل : المعنى وما قتلوا عيسى ، والوقف على وما قتلوه ويقينا نعت لمصدر محذوف ، وفيه تقديران : أحدهما : أي قالوا هذا قولا يقينا ، أو قال الله هذا قولا يقينا . والقول الآخر : أن يكون المعنى وما علموه علما يقينا . النحاس : إن قدرت المعنى بل رفعه الله إليه يقينا فهو خطأ ؛ لأنه لا يعمل ما بعد بل فيما قبلها لضعفها . وأجازابن الأنباري الوقف على وما قتلوه على أن ينصب يقينا بفعل مضمر هو جواب القسم ، تقديره : ولقد صدقتم يقينا أي صدقا يقينا . بل رفعه الله إليه ابتداء كلام مستأنف ؛ أي إلى السماء ، والله تعالى متعال عن المكان ؛ وقد تقدم كيفية رفعه في " آل عمران " . وكان الله عزيزا أي قويا بالنقمة من اليهود فسلط عليهم بطرس بن أستيسانوس الرومي فقتل منهم مقتلة عظيمة . حكيما حكم عليهم باللعنة والغضب . 
الجامع لأحكام القرآن »
سورة النساء »
قوله تعالى وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم 

ذكر ما يعصم من الدجال



ذكر ما يعصم من الدجال 
 
1. فمن ذلك الاستعاذة من فتنته ، فقد ثبت في الأحاديث الصحاح ، من غير [ ص: 200 ] وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من فتنة الدجال في الصلاة ، وأنه أمر أمته بذلك أيضا : " اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن فتنة القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال " . وذلك من حديث أنس ، وأبي هريرة ، وعائشة ، وابن عباس ، وسعد ، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وغيرهم .

قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي : والاستعاذة من الدجال متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2.ومن ذلك حفظ آيات من سورة الكهف ، كما قال أبو داود : حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، حدثنا سالم بن أبي الجعد ، عن معدان ، عن أبي الدرداء ، يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " . قال أبو داود : وكذا قال هشام الدستوائي ، عن قتادة ، إلا أنه قال : " من حفظ من خواتيم سورة الكهف " . وقال شعبة ، عن قتادة : " من آخر الكهف " .

[ ص: 201 ] وقد رواه مسلم من حديث همام ، وهشام ، وشعبة ، عن قتادة ، به ، بألفاظ مختلفة ، وقال الترمذي : حسن صحيح . وفي بعض رواياته : " الثلاث آيات من أول سورة الكهف " . ورواه أحمد ، عن يزيد بن هارون ، وعفان وعبد الصمد ، عن همام ، عن قتادة به : " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال " .

وكذلك رواه عن روح ، عن سعيد ، عن قتادة بمثله ، ورواه عن حسين ، عن شيبان ، عن قتادة كذلك ، وقد رواه عن غندر وحجاج ، عن شعبة ، عن قتادة وقال : " من حفظ عشر آيات من آخر سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " .

3.ومن ذلك الابتعاد عنه فلا يراه; فإن من رآه افتتن ، كما تقدم في حديث عمران بن حصين : " من سمع بالدجال فلينأ عنه ، فوالله إن المؤمن ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه; لما يبعث به من الشبهات " .

4.ومما يعصم من فتنة الدجال سكنى المدينة النبوية ومكة ، شرفهما الله تعالى ، فقد روى البخاري ومسلم ، من حديث الإمام مالك ، رضي الله عنه ، عن نعيم المجمر ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " على أنقاب المدينة ملائكة ، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال " .

وقال البخاري : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي بكرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال; لها يومئذ سبعة أبواب ، على كل باب ملكان " . وقد روى هذا جماعة من الصحابة منهم; أبو هريرة ، وأنس بن مالك ، وسلمة بن الأكوع ، ومحجن بن الأدرع ، كما تقدم .

وقال الترمذي : حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي الدجال المدينة ، فيجد الملائكة يحرسونها ، فلا يدخلها الطاعون ولا الدجال ، إن شاء الله " . وأخرجه البخاري عن يحيى بن موسى ، وإسحاق بن أبي عيسى ، عن يزيد بن هارون به ، ثم قال الترمذي : هذا حديث صحيح ، وفي الباب عن أبي هريرة ، وفاطمة بنت قيس ، ومحجن ، وأسامة ، وسمرة بن جندب . وقد ثبت في الصحيح أنه لا يدخل مكة ولا المدينة تمنعه الملائكة; لشرف هاتين [ ص: 203 ] البقعتين ، فهما حرمان آمنان ، وإنما إذا نزل عند سبخة المدينة ترجف بأهلها ثلاث رجفات ، إما حسا ، وإما معنى ، على القولين ، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة ، فيومئذ تنفي المدينة خبثها ، وينصع طيبها ، كما تقدم .  
  أبو هريرة ( ع )

الإمام الفقيه المجتهد الحافظ ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أبو هريرة الدوسي اليماني . سيد الحفاظ الأثبات .

اختلف في اسمه على أقوال جمة ، أرجحها : عبد الرحمن بن صخر . وقيل : ابن غنم . وقيل : كان اسمه : عبد شمس ، وعبد الله . وقيل : سكين . وقيل : عامر . وقيل : برير . وقيل : عبد بن غنم . وقيل : عمرو . وقيل : سعيد .

وكذا في اسم أبيه أقوال .

قال هشام بن الكلبي : هو عمير بن عامر بن ذي الشرى بن طريف بن عيان بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد

وهذا بعينه قاله خليفة بن خياط في نسبه ; لكنه قال : " عتاب " في " عيان " ، وقال : " منبه " في " هنية " . [ ص: 579 ]

ويقال : كان في الجاهلية اسمه : عبد شمس ، أبو الأسود ، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عبد الله ، وكناه : أبا هريرة .

والمشهور عنه أنه كني بأولاد هرة برية . قال : وجدتها ، فأخذتها في كمي ; فكنيت بذلك .

قال الطبراني : وأمه - رضي الله عنها- هي : ميمونة بنت صبيح .

حمل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- علما كثيرا طيبا مباركا فيه - لم يلحق في كثرته- وعن أبي ، وأبي بكر ، وعمر ، وأسامة ، وعائشة ، والفضل ، وبصرة بن أبي بصرة ، وكعب الحبر .

حدث عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين ، فقيل : بلغ عدد أصحابه ثمان مائة ، فاقتصر صاحب " التهذيب " ، فذكر من له رواية عنه في كتب الأئمة الستة ، وهم : إبراهيم بن إسماعيل ، وإبراهيم بن عبد الله بن حنين ، وإبراهيم بن عبد الله بن قارظ الزهري - ويقال : عبد الله بن إبراهيم - وإسحاق مولى زائدة ، وأسود بن هلال ، وأغر بن سليك ، والأغر أبو مسلم ، وأنس بن حكيم ، وأنس بن مالك ، وأوس بن خالد . وبسر بن سعيد ، وبشير بن نهيك ، وبشير بن كعب ، وبعجة بن عبد الله الجهني ، وبكير بن فيروز . وثابت بن عياض وثابت بن قيس الزرقي ، وثور بن عفير . وجابر بن عبد الله ، وجبر بن عبيدة ، وجعفر بن عياض ، وجمهان [ ص: 580 ] الأسلمي ، والجلاس . والحارث بن مخلد ، وحريث بن قبيصة ، والحسن البصري ، وحصين بن اللجلاج - ويقال : خالد ، ويقال : قعقاع - وحصين بن مصعب ، وحفص بن عاصم بن عمر ، وحفص بن عبد الله بن أنس ، والحكم بن ميناء ، وحكيم بن سعد ، وحميد بن عبد الرحمن الزهري ، وحميد بن عبد الرحمن ، وحميد بن مالك ، وحنظلة بن علي ، وحيان بن بسطام ، والد سليم . وخالد بن عبد الله ، وخالد بن غلاق ، وخباب صاحب المقصورة ، وخلاس ، وخيثمة بن عبد الرحمن . وذهيل بن عوف . وربيعة الجرشي ، ورميح الجذامي . وزرارة بن أوفى ، وزفر بن صعصعة - بخلف- وزياد بن ثويب ، وزياد بن رياح ، وزياد بن قيس ، وزياد الطائي ، وزيد بن أسلم - مرسل- وزيد بن أبي عتاب . وسالم العمري ، وسالم بن أبي الجعد ، وسالم أبو الغيث ، وسالم مولى النصريين وسحيم الزهري ، وسعد بن هشام ، وسعيد بن الحارث ، وسعيد بن أبي الحسن ، وسعيد بن حيان ، وسعيد المقبري ، وسعيد بن سمعان ، وسعيد بن عمرو بن الأشدق ، وسعيد ابن مرجانة ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن أبي هند ، وسعيد بن يسار ، وسلمان [ ص: 581 ] الأغر ، وسلمة بن الأزرق ، وسلمة الليثي ، وسليمان بن حبيب المحاربي ، وسليمان بن سنان ، وسليمان بن يسار ، وسنان بن أبي سنان . وشتير - وقيل : سمير - بن نهار ، وشداد أبو عمار ، وشريح بن هانئ ، وشفي بن ماتع ، وشقيق بن سلمة ، وشهر بن حوشب . وصالح بن درهم ، وصالح بن أبي صالح ، وصالح مولى التوأمة ، وصعصعة بن مالك ، وصهيب العتواري . والضحاك بن شرحبيل ، والضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم ، وضمضم بن جوس . وطارق بن محاسن وطاوس اليماني . وعامر بن سعد بن أبي وقاص ، وعامر بن سعد البجلي ، وعامر الشعبي ، وعباد أخو سعيد المقبري ، وعباس الجشمي ، وعبد الله بن ثعلبة بن صعير ، وأبو الوليد عبد الله بن الحارث ، وعبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، وأبو سلمة عبد الله بن رافع الحضرمي ، وعبد الله بن رباح الأنصاري ، وعبد الله بن سعد مولى عائشة ، وعبد الله بن أبي سليمان ، وعبد الله بن شقيق ، وعبد الله بن ضمرة ، وابن عباس ، وابن ابن عمر عبيد الله - وقيل : عبد الله - وعبد الله بن عبد الرحمن الدوسي ، وعبد الله بن عتبة [ ص: 582 ] الهذلي ، وعبد الله بن عمرو بن عبد القاري ، وعبد الله بن فروخ ، وعبد الله بن يامين ، وعبد الحميد بن سالم ، وعبد الرحمن بن آدم ، وعبد الرحمن بن أذينة ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وعبد الرحمن بن حجيرة ، وعبد الرحمن بن أبي حدرد ، وعبد الرحمن بن خالد بن ميسرة ، وعبد الرحمن بن سعد مولى الأسود . وعبد الرحمن بن سعد المقعد ، وعبد الرحمن بن الصامت ، وابن الهضهاض ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب ، وعبد الرحمن بن أبي عمرة ، وعبد الرحمن بن غنم ، وعبد الرحمن بن أبي كريمة ، والد السدي ، وعبد الرحمن بن مهران ، مولى أبي هريرة ، وعبد الرحمن بن أبي نعم البجلي . وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وعبد الرحمن بن يعقوب الحرقي ، وعبد العزيز بن مروان ، وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن - بخلف- وعبد الملك بن يسار ، وعبيد الله بن أبي رافع النبوي ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وعبيد الله بن عبد الله بن موهب ، وعبيد بن حنين ، وعبيد بن سلمان ، وعبيد بن أبي عبيد ، وعبيد بن عمير الليثي ، وعبيدة بن سفيان ، وعثمان بن أبي سودة ، وعثمان بن شماس - بخلف - وعثمان بن عبد الله بن موهب ، وعجلان ، والد محمد ، وعجلان ، مولى المشمعل ، وعراك بن مالك ، وعروة بن الزبير ، وعروة بن تميم ، وعطاء بن أبي رباح ، وعطاء بن أبي علقمة ، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني - ولم يدركه- وعطاء بن مينا ، وعطاء بن يزيد ، وعطاء بن يسار ، وعطاء مولى ابن أبي أحمد . وعطاء مولى أم صبية ، وعطاء الزيات - إن صح- وعكرمة بن خالد - وما أظنه لحقه- وعكرمة العباسي ، وعلقمة بن بجالة ، وعلي بن الحسين ، وعلي بن رباح ، وعلي بن شماخ - إن صح- وعمار بن أبي عمار مولى بني هاشم ، وعمارة - وقيل : عمرو- بن أكيمة الليثي ، وعمر بن الحكم بن ثوبان ، وعمر بن الحكم بن رافع ، [ ص: 583 ] وعمر بن خلدة قاضي المدينة ، وعمرو بن دينار ، وعمرو بن أبي سفيان ، وعمرو بن سليم الزرقي ، وعمرو بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفي ، وعمرو بن عمير ، وعمرو بن قهيد ، وعمرو بن ميمون الأودي ، وعمير بن الأسود العنسي ، وعمير بن هانئ العنسي ، وعنبسة بن سعيد بن العاص ، وعوف بن الحارث ، رضيع عائشة ، والعلاء بن زياد العدوي ، وعيسى بن طلحة . والقاسم بن محمد ، وقبيصة بن ذؤيب ، وقسامة بن زهير ، والقعقاع بن حكيم - ولم يلقه - وقيس بن أبي حازم . وكثير بن مرة ، وكعب المدني ، وكليب بن شهاب ، وكميل بن زياد ، وكنانة مولى صفية . ومالك بن أبي عامر الأصبحي ، ومجاهد ، والمحرر بن أبي هريرة ، ومحمد بن إياس بن البكير ، ومحمد بن ثابت ، ومحمد بن زياد ، ومحمد بن سيرين ، ومحمد بن شرحبيل ، ومحمد بن أبي عائشة ، ومحمد بن عباد بن جعفر ، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذباب ، ومحمد بن عمار القرظ . ومحمد بن عمرو بن عطاء - بخلف - ومحمد بن عمير ، ومحمد بن قيس بن مخرمة ، ومحمد بن كعب القرظي ، ومحمد بن مسلم الزهري - ولم يلحقه- ومحمد بن المنكدر ، ومروان بن الحكم ، ومضارب بن حزن ، والمطلب بن عبد الله بن حنطب ، والمطوس - ويقال : أبو المطوس - ومعبد بن عبد الله بن هشام والد زهرة . والمغيرة بن أبي بردة ، ومكحول - ولم يره - والمنذر أبو نضرة العبدي ، وموسى بن طلحة ، وموسى بن وردان ، وموسى بن يسار ، وميمون بن مهران ، ومينا مولى عبد الرحمن بن عوف . [ ص: 584 ] ونافع بن جبير ، ونافع بن عباس ، مولى أبي قتادة ، ونافع بن أبي نافع ، مولى أبي أحمد ، ونافع العمري ، والنضر بن سفيان ، ونعيم المجمر . وهمام بن منبه ، وهلال بن أبي هلال ، والهيثم بن أبي سنان ، وواثلة بن الأسقع ، والوليد بن رباح . ويحيى بن جعدة ، ويزيد بن الأصم ، ويحيى بن أبي صالح ، ويحيى بن النضر الأنصاري ، ويحيى بن يعمر ، ويزيد بن رومان - ولم يلحقه - ويزيد بن عبد الله بن الشخير ، ويزيد بن عبد الله بن قسيط ، ويزيد بن عبد الرحمن الأودي - والد إدريس ، ويزيد بن هرمز . ويزيد مولى المنبعث ، ويعلى بن عقبة ، ويعلى بن مرة ، ويوسف بن ماهك . وأبو إدريس الخولاني ، وأبو إسحاق مولى بني هاشم ، وأبو أمامة بن سهل ، وأبو أيوب المراغي ، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وأبو تميمة الهجيمي ، وأبو ثور الأزدي ، وأبو جعفر المدني - فإن كان الباقر فمرسل- وأبو الجوزاء الربعي ، وأبو حازم الأشجعي ، وأبو الحكم البجلي ، وأبو الحكم مولى بني ليث ، وأبو حميد - فيقال : هو عبد الرحمن بن سعد المقعد - وأبو حي المؤذن . وأبو خالد البجلي ، والد إسماعيل ، وأبو خالد الوالبي ، وأبو خالد ، مولى آل جعدة ، وأبو رافع الصائغ ، وأبو الربيع المدني ، وأبو رزين الأسدي ، وأبو زرعة البجلي ، وأبو زيد ، وأبو السائب مولى هشام بن زهرة ، وأبو سعد الخير - حمصي ، ويقال : أبو سعيد - وأبو سعيد بن أبي المعلى ، وأبو سعيد الأزدي وأبو سعيد المقبري . وأبو سعيد مولى ابن عامر ، وأبو سفيان [ ص: 585 ] مولى ابن أبي أحمد ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وأبو السليل القيسي وأبو الشعثاء المحاربي ، وأبو صالح الأشعري ، وأبو صالح الحنفي ، وأبو صالح الخوزي ، وأبو صالح السمان ، وأبو صالح مولى ضباعة ، وأبو الصلت ، وأبو الضحاك ، وأبو العالية الرياحي ، وأبو عبد الله الدوسي ، وأبو عبد الله القراظ ، وأبو عبد الله مولى الجندعيين . وأبو عبد العزيز ، وأبو عبد الملك ، مولى أم مسكين . وأبو عبيد مولى ابن أزهر ، وأبو عثمان التبان ، وأبو عثمان النهدي ، وأبو عثمان الطنبذي ، وأبو عثمان آخر ، وأبو علقمة مولى بني هاشم ، وأبو عمر الغداني ، وأبو غطفان المري ، وأبو قلابة الجرمي - مرسل - وأبو كباش العيشي . وأبو كثير السحيمي ، وأبو المتوكل الناجي ، وأبو مدلة ، مولى عائشة ، وأبو مرة مولى عقيل ، وأبو مريم الأنصاري ، وأبو مزاحم - مدني - وأبو مزرد ، وأبو المهزم البصري ، وأبو ميمونة - مدني - وأبو هاشم الدوسي ، وأبو الوليد مولى عمرو بن حريث ، وأبو يحيى مولى آل جعدة ، وأبو يحيى الأسلمي ، هو وأبو يونس مولى أبي هريرة . وابن حسنة الجهني ، وابن سيلان ، وابن مكرز- شامي - وابن وثيمة النصري . وكريمة بنت الحسحاس ، وأم الدرداء الصغرى .
 
عرض في كتاب سير أعلام النبلاء

ذكر أحاديث منثورة في الدجال حديث عن أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه :



ذكر أحاديث منثورة في الدجال حديث عن أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه :

قال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن أبي التياح ، عن المغيرة بن سبيع ، عن عمرو بن حريث ، أن أبا بكر الصديق ، رضي الله عنه ، أفاق من مرضة له ، فخرج إلى الناس ، فاعتذر بشيء وقال : ما أردنا إلا الخير . ثم قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن الدجال يخرج في أرض بالمشرق يقال لها : خراسان . يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة . ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث روح بن عبادة به . وقال الترمذي : حسن غريب .

[ ص: 156 ] قلت : وقد رواه عبيد الله بن موسى العبسي ، عن الحسن بن دينار ، عن أبي التياح ، فلم يتفرد به روح ، كما زعمه بعضهم ، ولا سعيد بن أبي عروبة; فإن يعقوب بن شيبة قال : لم يسمعه ابن أبي عروبة من أبي التياح ، وإنما سمعه من ابن شوذب عنه .

حديث عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : قال أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عبد الله بن نجي ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : ذكرنا الدجال عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم ، فاستيقظ محمرا لونه ، فقال : " غير ذلك أخوف لي عليكم " . ذكر كلمة . تفرد به أحمد .

حديث عن سعد بن أبي وقاص ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا محمد بن إسحاق ، عن داود بن عامر بن سعد بن مالك ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه لم يكن نبي إلا وصف الدجال لأمته ، ولأصفنه صفة لم يصفها أحد كان قبلي; إنه أعور ، وإن الله ، عز وجل ، ليس بأعور " . تفرد به أحمد .

[ ص: 157 ] حديث عن الصعب بن جثامة : قال عبد الله بن أحمد : حدثني أبو حميد الحمصي ، ثنا حيوة ، ثنا بقية ، عن صفوان بن عمرو ، عن راشد بن سعد قال : لما فتحت إصطخر إذا مناد ينادي : ألا إن الدجال قد خرج . قال : فلقيهم الصعب بن جثامة فقال : لولا ما تقولون لأخبرتكم أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره ، وحتى يترك الأئمة ذكره على المنابر " . إسناده حسن ، ولم يخرجه .

حديث عن أبي عبيدة بن الجراح ، رضي الله عنه : قال الترمذي : حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عبد الله بن سراقة ، عن أبي عبيدة بن الجراح ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنه لم يكن نبي بعد نوح ، إلا قد أنذر قومه الدجال ، وأنا أنذركموه " . فوصفه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " لعله سيدركه بعض من رأى أو سمع كلامي " . قالوا : يا رسول الله ، كيف قلوبنا يومئذ؟ قال : " مثلها - يعني اليوم - أو خير " .

[ ص: 158 ] ثم قال الترمذي : وفي الباب عن عبد الله بن بسر ، وعبد الله بن الحارث بن جزي ، وعبد الله بن مغفل ، وأبي هريرة ، وهذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث خالد الحذاء .

وقد رواه أحمد عن عفان وعبد الصمد ، وأخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل ، كلهم عن حماد بن سلمة به . وروى أحمد ، عن غندر ، عن شعبة ، عن خالد الحذاء ببعضه .

حديث عن أبي بن كعب ، رضي الله عنه : روى أحمد عن غندر ، وروح ، وسليمان بن داود ، ووهب بن جرير ، كلهم عن شعبة ، عن حبيب بن الزبير ، سمعت عبد الله بن أبي الهذيل ، سمع عبد الرحمن بن أبزى ، سمع عبد الله بن خباب ، سمع أبي بن كعب يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده الدجال ، فقال : " إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء ، وتعوذوا بالله من عذاب القبر " . تفرد به أحمد .

حديث عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه : قال عبد الله ابن الإمام أحمد : وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده ، حدثني عبد المتعال بن [ ص: 159 ] عبد الوهاب ، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي ، حدثنا مجالد ، عن أبي الوداك ، قال : قال لي أبو سعيد : هل تقر الخوارج بالدجال؟ قلت : لا . فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني خاتم ألف نبي أو أكثر ، وما بعث نبي يتبع إلا وقد حذر أمته الدجال ، وإني قد بين لي من أمره ما لم يبين لأحد ، وإنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى ، كأنها نخامة في حائط مجصص ، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري ، معه من كل لسان ، ومعه صورة الجنة خضراء ، يجري فيها الماء ، وصورة النار سوداء ، تدخن " . تفرد به أحمد . وقد روى عبد بن حميد في " مسنده " ، عن حماد بن سلمة ، عن الحجاج ، عن عطية ، عن أبي سعيد مرفوعا ، نحوه .

حديث عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه : قال أحمد : حدثنا بهز وعفان ، قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء الدجال فيطأ الأرض إلا مكة والمدينة ، فيأتي المدينة ، فيجد بكل نقب من أنقابها صفوفا من الملائكة ، فيأتي سبخة الجرف " فيضرب رواقه ، فترجف المدينة ثلاث رجفات ، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة " .

[ ص: 160 ] ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يونس بن محمد المؤدب ، عن حماد بن سلمة ، به نحوه .

طريق أخرى عن أنس : قال أحمد : حدثنا يحيى ، عن حميد ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الدجال أعور العين الشمال ، عليها ظفرة غليظة ، مكتوب بين عينيه : كفر أو كافر " . هذا حديث ثلاثي الإسناد ، وهو على شرط " الصحيحين " .

طريق أخرى عن أنس : قال أحمد : حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا الأوزاعي ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرج الدجال من يهودية أصبهان ، معه سبعون ألفا من اليهود ، عليهم السيجان " . تفرد به أحمد .

[ ص: 161 ] طريق أخرى عن أنس : قال أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثني أبي ، حدثنا شعيب; هو ابن الحبحاب ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الدجال ممسوح العين ، بين عينيه مكتوب : كافر - ثم تهجاها - يقرؤه كل مسلم : ك ف ر " .

حدثنا يونس ، حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن حميد وشعيب بن الحبحاب ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الدجال أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه : كافر . يقرؤه كل مؤمن؟ كاتب وغير كاتب " .

ورواه مسلم عن زهير ، عن عفان ، عن عبد الوارث ، عن شعيب به ، بنحوه .

طريق أخرى عن أنس : قال أحمد : حدثنا عمرو بن الهيثم ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بعث نبي إلا أنذر [ ص: 162 ] أمته الأعور الكذاب ، ألا إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه : كافر " .

ورواه البخاري ومسلم ، من حديث شعبة به .

حديث عن سفينة : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا حشرج ، حدثني سعيد بن جمهان ، عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ألا إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد حذر الدجال أمته ، هو أعور عينه اليسرى ، بعينه اليمنى ظفرة غليظة ، مكتوب بين عينيه : كافر ، يخرج معه واديان; أحدهما جنة والآخر نار ، فناره جنة ، وجنته نار ، معه ملكان من الملائكة يشبهان نبيين من الأنبياء ، ولو شئت سميتهما بأسمائهما وأسماء آبائهما ، أحدهما عن يمينه ، والآخر عن شماله ، وذلك فتنة ، فيقول الدجال : ألست بربكم؟ ألست أحيي وأميت؟ فيقول له أحد الملكين : كذبت . ما يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه ، فيقول له : صدقت . فيسمعه الناس فيظنون أنما يصدق الدجال ، وذلك فتنة ، ثم يسير حتى يأتي المدينة ، فلا يؤذن له فيها؟ فيقول : هذه قرية ذاك الرجل . ثم يسير حتى يأتي الشام ، فيهلكه الله عند عقبة [ ص: 163 ] أفيق " . تفرد به أحمد ، وإسناده لا بأس به ، ولكن في متنه غرابة ونكارة ، فالله أعلم .

حديث عن معاذ بن جبل ، رضي الله عنه : قال يعقوب بن سفيان الفسوي في " مسنده " : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا خنيس بن عامر بن يحيى المعافري ، عن أبي قبيل ، عن جنادة بن أبي أمية ، أن قوما دخلوا على معاذ بن جبل وهو مريض ، فقالوا له : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تنسه . فقال : أجلسوني . فأخذ بعض القوم بيده ، وجلس بعضهم خلفه ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من نبي إلا وقد حذر أمته الدجال ، وإني أحذركم أمره ، إنه أعور ، وإن ربي ، عز وجل ، ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه : كافر . يقرؤه الكاتب وغير الكاتب ، معه جنة ونار ، فناره جنة ، وجنته نار " . قال شيخنا الحافظ الذهبي : تفرد به خنيس ، وما علمت فيه جرحا ، وإسناده صالح .

[ ص: 164 ] حديث عن سمرة بن جندب ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل ، حدثنا زهير ، عن الأسود بن قيس ، حدثني ثعلبة بن عباد العبدي ، من أهل البصرة ، قال : شهدت يوما خطبة لسمرة بن جندب ، فذكر في خطبته حديثا في صلاة الكسوف ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بعد صلاة الكسوف ، فقال : "وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا ، آخرهم الأعور الدجال ، ممسوح العين اليسرى ، كأنها عين أبي تحيى ، وإنه متى يخرج - أو قال : متى ما يخرج - فإنه سوف يزعم أنه الله ، فمن آمن به وصدقه واتبعه; لم ينفعه صالح من عمله سلف ، ومن كفر به وكذبه; لم يعاقب بشيء من عمله - وقال الحسن : بسيئ من عمله - سلف ، وإنه سوف يظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس ، وإنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس ، ويزلزلون زلزالا شديدا ، ثم يهلكه الله تعالى ، حتى إن جذم الحائط ، وأصل الشجرة لينادي : يا مؤمن ، هذا يهودي - أو قال : هذا كافر - تعال فاقتله . ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم ، [ ص: 165 ] وتسألون بينكم : هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا ، وحتى تزول جبال عن مراتبها ثم شهد خطبة سمرة مرة أخرى ، فما قدم كلمة ولا أخرها عن موضعها .

وأصل هذا الحديث في صلاة الكسوف عند أصحاب السنن الأربعة ، وصححه الترمذي ، وابن حبان ، والحاكم في " مستدركه " أيضا .

وقال شيخنا الذهبي في كتابه " في نبأ الدجال " : سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة مرفوعا : " الدجال أعور عين الشمال ، عليها ظفرة غليظة " .

قلت : وليس هذا الحديث من هذا الوجه في " المسند " ، ولا في شيء من الكتب الستة ، وكان الأولى بشيخنا أن يسنده ، أو يعزوه إلى كتاب مشهور ، والله الموفق .

حديث آخر عن سمرة : قال أحمد : حدثنا روح ، حدثنا سعيد وعبد الوهاب ، أنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب ، أن رسول الله [ ص: 166 ] صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إن الدجال خارج ، وهو أعور عين الشمال ، عليها ظفرة غليظة ، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ، ويقول للناس : أنا ربكم . فمن قال : أنت ربي . فقد فتن ، ومن قال : ربي الله . حتى يموت ، فقد عصم من فتنته ، ولا فتنة بعده عليه ولا عذاب ، فيلبث في الأرض ما شاء الله ، ثم يجيء عيسى ابن مريم من قبل المغرب ، مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملته ، فيقتل الدجال ، ثم إنما هو قيام الساعة " .

وقال الطبراني : حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا مروان بن جعفر السمري ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن خبيب بن سليمان ، ثنا جعفر بن سعد بن سمرة ، عن خبيب ، عن أبيه ، عن جده سمرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إن المسيح الدجال أعور عين الشمال ، عليها ظفرة غليظة ، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ، ويقول : أنا ربكم . فمن اعتصم بالله ، فقال . ربي الله . ثم أبى إلا ذلك حتى يموت ، فلا عذاب عليه ولا فتنة ، ومن قال : أنت ربي . فقد فتن ، وإنه يلبث في الأرض ما شاء الله ، ثم يجيء عيسى ابن مريم من المشرق مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملته ، ثم يقتل الدجال " .

[ ص: 167 ] حديث غريب .

حديث عن جابر ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، حدثنا زهير ، عن زيد - يعني ابن أسلم - عن جابر بن عبد الله ، قال : أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على فلق من أفلاق الحرة ، ونحن معه ، فقال : " نعمت الأرض المدينة إذا خرج الدجال ، على كل نقب من أنقابها ملك ، لا يدخلها ، فإذا كان ذلك رجفت المدينة بأهلها ثلاث رجفات ، لا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه ، وأكثر - يعني من يخرج إليه - النساء ، وذلك يوم التخليص; يوم تنفي المدينة الخبث ، كما ينفي الكير خبث الحديد ، يكون معه سبعون ألفا من اليهود ، على كل رجل منهم ساج وسيف محلى ، فيضرب رواقه بهذا الضرب الذي عند مجتمع السيول " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما كانت فتنة ولا تكون حتى تقوم الساعة ، أكبر من فتنة الدجال ، وما من نبي إلا وقد حذر أمته ، ولأخبرنكم بشيء ما أخبره نبي أمته قبلي " . ثم وضع يده على عينيه ، ثم قال : " أشهد أن الله ليس بأعور " . تفرد به أحمد ، وإسناده جيد ، وصححه الحاكم .

[ ص: 168 ] طريق أخرى عن جابر : قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لخاتم ألف نبي أو أكثر ، وإنه ليس منهم نبي إلا وقد أنذر قومه الدجال ، وإنه قد تبين لي ما لم يتبين لأحد منهم ، وإنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور " . تفرد به البزار ، وإسناده حسن ، ولفظه غريب جدا .

وروى عبد الله بن أحمد في " السنة " ، من طريق مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال : " إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور " . ورواه ابن أبي شيبة ، عن علي بن مسهر ، عن مجالد به ، أطول من هذا .

طريق أخرى عن جابر : قال أحمد : حدثنا روح ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الدجال أعور ، وهو أشد الكذابين " .

وروى مسلم من حديث ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين حتى ينزل [ ص: 169 ] عيسى ابن مريم . . . . " وتقدمت الطريق الأخرى عن أبي الزبير عنه ، وعن أبي سلمة عنه ، في الدجال .

حديث عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الدجال : " أعور هجان أزهر ، كأن رأسه أصلة ، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن ، فإما هلك الهلك ، فإن ربكم ليس بأعور " . قال شعبة : فحدثت به قتادة ، فحدثني بنحو من هذا . تفرد به أحمد من هذا الوجه .

وروى أحمد ، والحارث بن أبي أسامة ، وأبو يعلى ، من طريق هلال ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في حديث الإسراء ، قال : ورأى الدجال في صورته رؤيا عين ، ليس رؤيا منام ، وعيسى وإبراهيم ، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال ، فقال : " رأيته فيلمانيا أقمر هجانا ، إحدى عينيه قائمة ، كأنها [ ص: 170 ] كوكب دري ، كأن شعره أغصان شجرة " . وذكر تمام الحديث .

حديث عن هشام بن عامر : قال أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، حدثنا حميد - يعني ابن هلال - عن هشام بن عامر الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما بين خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أكبر من فتنة الدجال " .

وقال أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن بعض أشياخهم ، قال : قال هشام بن عامر لجيرانه : إنكم لتخطون إلى رجال ما كانوا بأحضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أوعى لحديثه مني ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال " .

ورواه الإمام أحمد أيضا ، عن أحمد بن عبد الملك ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن أبي الدهماء ، عن هشام بن عامر ، أنه قال : إنكم لتجاوزنني إلى رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا أحصى ولا أحفظ لحديثه مني ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال " .

[ ص: 171 ] وقد رواه مسلم من حديث أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن رهط ، منهم أبو الدهماء وأبو قتادة ، عن هشام بن عامر ، فذكر نحوه .

وقال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن هشام بن عامر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن رأس الدجال من ورائه حبك حبك ، فمن قال : أنت ربي . افتتن ، ومن قال : كذبت ، ربي الله ، عليه توكلت . فلا يضره " . أو قال : " فلا فتنة عليه " .

حديث عن ابن عمر ، رضي الله عنهما : قال أحمد : حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن طلحة ، عن سالم ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل الدجال في هذه السبخة ، بمر قناة ، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء ، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه ، وإلى أمه ، وابنته ، وأخته ، وعمته ، فيوثقها رباطا ، مخافة أن تخرج إليه ، ثم يسلط الله المسلمين عليه ، فيقتلونه ، ويقتلون شيعته ، حتى إن اليهودي ليختبئ تحت الشجرة أو الحجر ، فيقول الحجر أو الشجرة [ ص: 172 ] للمسلم : هذا يهودي تحتي فاقتله " . تفرد به أحمد من هذا الوجه .

طريق أخرى عن سالم : قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، فأثنى على الله ، تعالى بما هو أهله ، فذكر الدجال فقال : " إني لأنذركموه ، وما من نبي إلا قد أنذره قومه; لقد أنذره نوح صلى الله عليه وسلم قومه ، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه; تعلمون أنه أعور ، وأن الله تبارك وتعالى ليس بأعور " . وقد تقدم هذا في الصحيح مع حديث ابن صياد . وبه عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تقاتلكم اليهود ، فتسلطون عليهم ، حتى يقول الحجر : يا مسلم ، هذا يهودي ورائي ، فاقتله " . وأصله في " الصحيحين " من حديث الزهري ، بنحوه .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا عاصم بن محمد ، عن أخيه عمر بن محمد ، عن محمد بن زيد ، يعني أبا عمر بن محمد ، قال : قال عبد الله بن عمر : كنا نحدث بحجة الوداع ، ولا ندري أنه الوداع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان في حجة الوداع ، خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر المسيح الدجال ، فأطنب في ذكره ، ثم قال : " ما بعث الله من نبي إلا قد أنذره أمته; لقد أنذره نوح صلى الله عليه وسلم أمته ، والنبيون ، عليهم الصلاة والسلام ، من بعده ، ألا ما خفي عليكم [ ص: 173 ] من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور ، ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور " . تفرد به أحمد من هذا الوجه .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنه لم يكن نبي قبلي إلا وصفه لأمته ، ولأصفنه صفة لم يصفها من كان قبلي ، إنه أعور وإن الله ليس بأعور ، عينه اليمنى كأنها عنبة طافية " . وهذا إسناد جيد حسن .

وقال الترمذي : حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الدجال فقال : " ألا إن ربكم ليس بأعور ، ألا وإنه أعور ، عينه اليمنى كأنها عنبة طافية " . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وفي الباب عن سعد ، وحذيفة ، وأبي هريرة ، وأسماء ، وجابر بن عبد الله ، وأبي بكرة ، وعائشة ، وأنس ، وابن عباس ، والفلتان بن عاصم .

حديث عبد الله بن عمرو : قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، قال : لما جاءتنا بيعة يزيد بن [ ص: 174 ] معاوية قدمت الشام ، فأخبرت بمقام يقومه نوف ، فجئته ، إذ جاء رجل - فاشتد الناس - عليه خميصة ، وإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص ، فلما رآه نوف أمسك عن الكلام ، فقال عبد الله : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنها ستكون هجرة بعد هجرة ، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها ، تلفظهم أرضوهم ، تقذرهم نفس الله ، تحشرهم النار مع القردة والخنازير ، تبيت معهم إذا باتوا ، وتقيل معهم إذا قالوا ، وتأكل من تخلف " . قال : وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، كلما خرج منهم قرن قطع ، كلما خرج منهم قرن قطع - حتى عدها زيادة على عشر مرات - كلما خرج منهم قرن قطع ، حتى يخرج الدجال في بقيتهم " . ورواه أبو داود من حديث قتادة ، عن شهر ، عنه .

طريق أخرى عنه : قال أبو القاسم الطبراني : حدثنا جعفر بن أحمد الساماني ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا فردوس الأشعري ، عن مسعود بن سليمان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الدجال : " ما شبه عليكم منه ، فإن الله ، سبحانه ، ليس بأعور ، يخرج [ ص: 175 ] فيكون في الأرض أربعين صباحا ، يرد كل منهل إلا الكعبة ، وبيت المقدس والمدينة ، الشهر كالجمعة ، والجمعة كاليوم ، ومعه جنة ونار ، فناره جنة ، وجنته نار ، معه جبل من خبز ، ونهر من ماء ، يدعو برجل ، لا يسلطه الله إلا عليه ، فيقول : ما تقول في؟ فيقول : أنت عدو الله ، وأنت الدجال الكذاب . فيدعو بمنشار ، فيضعه حذو رأسه فيشقه ، ثم يحييه ، فيقول له : ما تقول في؟ فيقول : والله ما كنت أشد بصيرة مني فيك الآن ، أنت عدو الله؟ الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيهوي إليه بسيفه فلا يستطيعه ، فيقول : أخروه عني " . قال شيخنا الذهبي : هذا حديث غريب ، ومسعود لا يعرف . وسيأتي حديث يعقوب بن عاصم عنه ، في مكث الدجال في الأرض ، ونزول عيسى ابن مريم .

حديث عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، فذكر الدجال ، فقال : " إن بين يديه ثلاث سنين; سنة تمسك السماء ثلث قطرها ، والأرض ثلث نباتها ، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها ، والأرض ثلثي نباتها ، والثالثة تمسك السماء قطرها كله ، والأرض نباتها كله ، ولا يبقى ذات ضرس ولا ذات [ ص: 176 ] ظلف من البهائم إلا هلكت ، وإن من أشد فتنته أن يأتي الأعرابي فيقول : أرأيت إن أحييت لك إبلك؟ ألست تعلم أني ربك؟ " قال : " فيقول : بلى . فتمثل له الشياطين نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعها وأعظمه أسنمة " . قال : " ويأتي الرجل قد مات أخوه ، ومات أبوه ، فيقول : أرأيت إن أحييت لك أباك ، وأحييت لك أخاك ، ألست تعلم أني ربك؟ فيقول : بلى . فتمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه " . قالت : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة ، ثم رجع والقوم في اهتمام وغم ، مما حدثهم به ، قالت : فأخذ بلجفتي الباب وقال : " مهيم أسماء " . قالت : قلت : يا رسول الله ، لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال . قال : " فإن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه ، وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن " . قالت أسماء : يا رسول الله ، إنا والله لنعجن عجينتنا فما نختبزها حتى نجوع ، فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال : " يجزئهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح ، والتقديس " .

وكذلك رواه أحمد أيضا ، عن يزيد بن هارون ، عن جرير بن حازم ، عن قتادة ، عن شهر ، عنها ، بنحوه ، وهذا إسناد لا بأس به ، وقد تفرد به أحمد ، وتقدم له شاهد في حديث أبي أمامة الطويل ، وفي حديث عائشة بعده شاهد له من وجه آخر أيضا ، والله أعلم .

[ ص: 177 ] وقال أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا عبد الحميد ، حدثنا شهر ، حدثتني أسماء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث : " فمن حضر مجلسي ، وسمع قولي ، فليبلغ الشاهد منكم الغائب ، واعلموا أن الله ، عز وجل ، صحيح ليس بأعور ، وأن الدجال أعور ، ممسوح العين ، مكتوب بين عينيه : كافر . يقرؤه كل مؤمن; كاتب وغير كاتب " . وسيأتي عن أسماء بنت عميس نحوه ، والمحفوظ هذا ، والله أعلم .

حديث عائشة ، رضي الله عنها : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، حدثنا علي بن زيد ، عن الحسن ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جهدا يكون بين يدي الدجال ، فقالوا : أي المال خير يومئذ . قال : " غلام شديد يسقي أهله الماء ، وأما الطعام فليس " . قالوا : فما طعام المؤمنين يومئذ؟ قال : " التسبيح والتكبير ، والتحميد ، والتهليل " . قالت عائشة : فأين العرب يومئذ؟ قال : " العرب يومئذ قليل " . تفرد به أحمد ، وإسناده صحيح فيه غرابة ، وتقدم في حديث أسماء ، وأبي أمامة شاهد له ، والله أعلم .

طريق أخرى عنها : قال أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا حرب بن شداد ، عن يحيى بن أبي كثير ، حدثني الحضرمي بن لاحق ، أن ذكوان أبا [ ص: 178 ] صالح أخبره ، أن عائشة أخبرته ، قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي ، فقال : " ما يبكيك؟ " قلت : يا رسول الله ، ذكرت الدجال ، فبكيت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن يخرج الدجال وأنا حي كفيتكموه ، وإن يخرج الدجال بعدي فإن ربكم ، عز وجل ، ليس بأعور ، إنه يخرج في يهودية أصبهان ، حتى يأتي المدينة ، فينزل ناحيتها ، ولها يومئذ سبعة أبواب ، على كل نقب منها ملكان ، فيخرج إليه شرار أهلها ، حتى يأتيالشام ، مدينة بفلسطين بباب لد ، فينزل عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، فيقتله ، ثم يمكث عيسى ، عليه السلام ، في الأرض أربعين سنة إماما عادلا ، وحكما مقسطا " . تفرد به أحمد .

وقال - أحمد أيضا : حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن عامر ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة " . ورواه النسائي عن قتيبة ، عن محمد بن عبد الله بن أبي عدي ، به . والمحفوظ رواية عامر الشعبي عن فاطمة بنت قيس ، كما تقدم .

وثبت في " الصحيح " من حديث هشام بن عروة ، عن زوجته فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر ، أنها قالت في حديث صلاة الكسوف : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يومئذ : " وإنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبا ، أو مثل ، فتنة المسيح الدجال " . لا أدري أي ذلك قالت أسماء؟ الحديث بطوله .

[ ص: 179 ] وثبت في " صحيح مسلم " من حديث ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن أم شريك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليفرن الناس من الدجال حتى يلحقوا برءوس الجبال " . قلت : يا رسول الله ، أين العرب يومئذ؟ قال : " هم قليل " .

حديث عن أم سلمة ، رضي الله عنها : قال ابن وهب : أخبرني مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن عروة ، قال : قالت أم سلمة : ذكرت المسيح الدجال ليلة ، فلم يأتني النوم ، فلما أصبحت دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فقال : " لا تفعلي ، فإنه إن يخرج وأنا فيكم يكفكم الله بي ، وإن يخرج بعد أن أموت يكفكم الله بالصالحين " . ثم قام ، فقال : " ما من نبي إلا حذر أمته منه ، وإني أحذركموه ، إنه أعور ، وإن الله ليس بأعور " . قال الذهبي : إسناده قوي .

حديث رافع بن خديج : رواه الطبراني من رواية عطية بن عطية ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب ، عن رافع بن خديج ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذم القدرية ، وأنهم زنادقة هذه الأمة ، وفي زمانهم يكون ظلم السلطان ، وحيف وأثرة ، ثم يبعث الله طاعونا ، فيفني عامتهم ، ثم يكون الخسف ، فما أقل من ينجو منهم ، المؤمن يومئذ قليل فرحه ، شديد غمه ، ثم يكون المسخ ، فيمسخ الله عامتهم قردة وخنازير ، ثم يخرج الدجال على [ ص: 180 ] إثر ذلك قريبا . ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بكينا لبكائه ، وقلنا : ما يبكيك؟ قال : " رحمة لأولئك الأشقياء ، لأن فيهم المقتصد ، وفيهم المجتهد . . . " . الحديث .

حديث عن عثمان بن أبي العاص ، رضي الله عنه : قال أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبي نضرة ، قال : أتينا عثمان بن أبي العاص في يوم جمعة; لنعرض عليه مصحفا لنا على مصحفه ، فلما حضرت الجمعة أمرنا فاغتسلنا ، ثم أتينا بطيب فتطيبنا ، ثم جئنا المسجد ، فجلسنا إلى رجل ، فحدثنا عن الدجال ، ثم جاء عثمان بن أبي العاص ، فقمنا إليه فجلسنا ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يكون للمسلمين ثلاثة أمصار ; مصر بملتقى البحرين ، ومصر بالحيرة ، ومصر بالشام ، فيفزع الناس ثلاث فزعات ، فيخرج الدجال في أعراض الناس ، فيهزم من قبل المشرق ، فأول مصر يرده المصر الذي بملتقى البحرين ، فيصير أهله ثلاث فرق; فرقة تقيم تقول : نشامه; ننظر ما هو ، وفرقة تلحق بالأعراب ، [ ص: 181 ] وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم ، ومع الدجال سبعون ألفا عليهم السيجان ، وأكثر تبعه اليهود والنساء ، ثم يأتي المصر الذي يليه ، فيصير أهله ثلاث فرق; فرقة تقول : نشامه ننظر ما هو ، وفرقة تلحق بالأعراب ، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم بغربي الشام ، وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق ، فيبعثون سرحا لهم ، فيصاب سرحهم ، فيشتد ذلك عليهم ، وتصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد ، حتى إن أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله ، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من السحر : يا أيها الناس ، أتاكم الغوث . ثلاثا ، فيقول بعضهم لبعض : إن هذا الصوت لصوت رجل شبعان ، وينزل عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، عند صلاة الفجر ، فيقول له أميرهم : يا روح الله ، تقدم صل . فيقول : هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض ، فيتقدم أميرهم فيصلي ، فإذا قضى صلاته أخذ عيسى عليه السلام حربته ، فيذهب نحو الدجال ، فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الرصاص ، فيضع حربته بين ثندوتيه فيقتله ، وينهزم أصحابه ، فليس يومئذ شيء يواري منهم أحدا ، حتى إن الشجرة لتقول : يا مؤمن ، هذا كافر . ويقول الحجر : يا مؤمن ، هذا كافر " . تفرد به أحمد .

ولعل هذين المصرين هما البصرة والكوفة; بدليل ما رواه الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ، حدثنا الحشرج بن نباتة القيسي الكوفي ، [ ص: 182 ] حدثني سعيد بن جمهان ، حدثنا عبد الله بن أبي بكرة ، قال : حدثنا أبي في هذا المسجد ، يعني مسجد البصرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتنزلن طائفة من أمتي أرضا يقال لها : البصرة . يكثر بها عددهم ، ويكثر بها نخلهم ، ثم يجيء بنو قنطوراء صغار العيون ، حتى ينزلوا على جسر لهم يقال له : دجلة . فيتفرق المسلمون ثلاث فرق ، فأما فرقة فيأخذون بأذناب الإبل ، وتلحق بالبادية ، وهلكت ، وأما فرقة فتأخذ على أنفسها ، وكفرت ، فهذه وتلك سواء ، وأما فرقة فيجعلون عيالهم خلف ظهورهم ويقاتلون ، فقتلاهم شهداء ، ويفتح الله على بقيتها " .

ثم رواه أحمد ، عن يزيد بن هارون وغيره ، عن العوام بن حوشب ، عن سعيد بن جمهان ، عن ابن أبي بكرة ، عن أبيه ، فذكره . قال العوام : بنو قنطوراء هم الترك . ورواه أبو داود ، عن محمد بن يحيى بن فارس ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن أبيه ، عن سعيد بن جمهان ، عن مسلم بن أبي بكرة ، عن أبيه ، فذكر نحوه .

وروى أبو داود من حديث بشير بن المهاجر ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث " يقاتلكم قوم صغار الأعين " . يعني الترك ، قال : " تسوقونهم ثلاث مرار ، حتى تلحقوهم بجزيرة العرب ، فأما في السياقة [ ص: 183 ] الأولى فينجو من هرب منهم ، وأما في الثانية فينجو بعض ويهلك بعض ، وأما في الثالثة فيصطلمون " . أو كما قال . لفظ أبي داود .

وروى الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء ، عن ابن مسعود ، قال : يفترق الناس عند خروج الدجال ثلاث فرق ، فرقة تتبعه ، وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح ، وفرقة تأخذ بشط الفرات ، يقاتلهم ويقاتلونه ، حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام ، ويبعثون طليعة ، فيهم فارس فرسه أشقر أو أبلق ، فيقتلون فلا يرجع منهم بشر .

حديث عن عبد الله بن بسر : قال حنبل بن إسحاق : حدثنا دحيم ، حدثنا عبد الله بن يحيى المعافري ، هو البرلسي - أحد الثقات - عن معاوية بن صالح ، حدثني أبو الوازع أنه سمع عبد الله بن بسر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليدركن الدجال من رآني " . أو قال : " ليكونن قريبا من موتي " . قال شيخنا الذهبي : أبو الوازع لا يعرف ، والحديث منكر . قلت : وقد تقدم في حديث أبي عبيدة شاهد له .

[ ص: 184 ] حديث عن سلمة بن الأكوع ، رضي الله عنه : قال الطبراني : حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي ، حدثنا زيد بن الحريش ، حدثنا أبو همام محمد بن الزبرقان ، حدثنا موسى بن عبيدة ، حدثني زيد بن عبد الرحمن ، عن سلمة بن الأكوع ، قال : أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل العقيق ، حتى إذا كنا مع الثنية ، قال : " إني لأنظر إلى مواقع عدو الله المسيح ، إنه يقبل حتى ينزل من كذا ، حتى يخرج إليه الغوغاء ، ما من نقب من أنقاب المدينة إلا عليه ملك أو ملكان يحرسانه ، معه صورتان; صورة الجنة ، وصورة النار خضراء ، ومعه شياطين يتشبهون بالأموات ، يقول للحي : تعرفني؟ أنا أخوك ، أنا أبوك ، أنا ذو قرابة منك ، ألست قد مت؟ هذا ربنا فاتبعه . فيقضي الله ما شاء منه ، ويبعث الله له رجلا من المسلمين ، فيسكته ويبكته ، ويقول : هذا الكذاب يا أيها الناس ، لا يغرنكم ، فإنه كذاب ويقول باطلا ، وليس ربكم بأعور . فيقول : هل أنت متبعي؟ فيأتي ، فيشقه شقتين ، ويفصل ذلك ، ويقول : أعيده لكم؟ فيبعثه الله أشد ما كان تكذيبا له ، وأشد شتما ، فيقول : أيها الناس ، إنما رأيتم بلاء ابتليتم به ، وفتنة افتتنتم بها ، إن كان صادقا فليعدني مرة أخرى ، ألا هو كذاب . فيأمر به إلى هذه النار ، وهى صورة الجنة ، ثم يخرج قبل الشام " .

[ ص: 185 ] موسى بن عبيدة الربذي ضعيف ، وهذا السياق فيه غرابة ، والله أعلم .

حديث محجن بن الأدرع ، رضي الله عنه : قال أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا حماد ، يعني ابن سلمة ، عن سعيد الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، عن محجن بن الأدرع ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس ، فقال : " يوم الخلاص ، وما يوم الخلاص؟! " ثلاثا . فقيل له : وما يوم الخلاص . قال : " يجيء الدجال ، فيصعد أحدا ، فينظر إلى المدينة ، فيقول لأصحابه : هل ترون هذا القصر الأبيض ، هذا مسجد أحمد . ثم يأتي المدينة ، فيجد بكل نقب من أنقابها ملكا مصلتا ، فيأتي سبخة الجرف ، فيضرب رواقه ، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات ، فلا يبقى منافق ولا منافقة ، ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه ، فذلك يوم الخلاص " . تفرد به أحمد .

ثم رواه أحمد عن غندر ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن عبد الله بن شقيق ، عن رجاء بن أبي رجاء ، عن محجن بن الأدرع ، قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، فصعد على أحد ، فأشرف على المدينة ، فقال : " ويل أمها قرية! يدعها أهلها خير ما تكون - أو كأخير ما تكون - فيأتيها الدجال ، فيجد على كل باب من أبوابها ملكا مصلتا بجناحه ، فلا يدخلها " . قال : ثم نزل وهو آخذ بيدي ، فدخل المسجد ، فإذا رجل يصلي ، فقال لي : " من هذا؟ " فأثنيت عليه خيرا ، فقال : " اسكت ، لا تسمعه فتهلكه " . قال : ثم أتى حجرة امرأة من نسائه ، فنفض يده من يدي ، وقال : " إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم [ ص: 186 ] أيسره " .

حديث آخر : قال معمر في " جامعه " ، عن الزهري ، أخبرني عمرو بن أبي سفيان الثقفي ، أخبرني رجل من الأنصار ، عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ، فقال : " يأتي سباخ المدينة ، وهو محرم عليه أن يدخلها ، فتنتفض بأهلها نفضة أو نفضتين ، وهي الزلزلة ، فيخرج إليه منها كل منافق ومنافقة ، ثم يولي الدجال قبل الشام ، حتى يأتي بعض جبال الشام ، وبقية المسلمين يومئذ معتصمون بذروة جبل ، فيحاصرهم نازلا بأصله ، حتى إذا طال عليهم البلاء ، قال رجل : حتى متى أنتم هكذا ، وعدو الله نازل بأصل جبلكم؟ هل أنتم إلا بين إحدى الحسنيين; بين أن يستشهدكم أو يظهركم الله عليه . فتتبايعون على الموت بيعة يعلم الله أنها الصدق من أنفسهم ، ثم تأخذهم ظلمة لا يبصر امرؤ كفه ، فينزل ابن مريم ، فيحسر عن أبصارهم ، وبين أظهرهم رجل عليه لأمة ، فيقولون : من أنت؟ فيقول : أنا عبد الله ورسوله ، وروحه ، وكلمته ، عيسى ، اختاروا إحدى ثلاث ، بين أن يبعث الله على الدجال وجنوده عذابا من السماء ، أو يخسف بهم الأرض ، أو يسلط عليهم سلاحكم ، ويكف سلاحهم عنكم . فيقولون : هذه يا رسول الله ، أشفى لصدورنا . فيومئذ يرى اليهودي العظيم الطويل ، الأكول الشروب ، لا تقل يده سيفه; من الرعدة ، فينزلون إليهم ، فيسلطون عليهم ، ويذوب الدجال [ ص: 187 ] حتى يدركه عيسى ابن مريم ، فيقتله " قال شيخنا الحافظ الذهبي : هذا حديث قوي الإسناد .

حديث نهيك بن صريم : قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أبو موسى الزمن ، حدثنا إبراهيم بن سليمان ، حدثنا محمد بن أبان ، عن يزيد بن يزيد بن جابر ، عن بشر بن عبيد الله ، عن أبي إدريس ، عن نهيك بن صريم السكوني ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتقاتلن المشركين ، حتى تقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن ، أنتم شرقيه ، وهو غربيه " . قال : وما أدري أين الأردن يومئذ من الأرض؟ وكذا رواه سعيد بن سالم ، وعبد الحميد بن صالح . حديث أبي هريرة رضي الله عنه : قال أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر أو الشجر : يا مسلم ، يا عبد الله ، هذا اليهودي من خلفي ، فتعال فاقتله ، إلا الغرقد; فإنه من شجر اليهود " .

[ ص: 188 ] وقد روى مسلم عن قتيبة ، بهذا الإسناد : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك " . الحديث ، وقد تقدم الحديث بطرقه وألفاظه ، والظاهر ، والله أعلم ، أن المراد بهؤلاء الترك أنصار الدجال ، كما تقدم في حديث أبي بكر الصديق الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه .

طريق أخرى عن أبى هريرة : قال أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا جرير ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لينزلن الدجال بخوز وكرمان في سبعين ألفا كأن وجوههم المجان المطرقة " . إسناده جيد قوي حسن .

طريق أخرى عن أبي هريرة : قال حنبل بن إسحاق : حدثنا سريج بن النعمان ، حدثنا فليح ، عن الحارث بن فضيل ، عن زياد بن سعد ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس ، وذكر الدجال ، فقال : " إنه لم يكن نبي إلا حذره أمته ، وسأصفه لكم ما لم يصفه نبي قبلي; إنه أعور مكتوب بين عينيه : كافر . يقرؤه كل مؤمن يكتب أو لا يكتب " . هذا إسناد جيد لم يخرجوه .

[ ص: 189 ] طريق أخرى عن أبي هريرة : قال أحمد : حدثنا سريج ، حدثنا فليح ، عن عمر بن العلاء الثقفي ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة ، على كل نقب منهما ملك لا يدخلهما الدجال ولا الطاعون " . هذا غريب جدا ، وذكر مكة في هذا ليس بمحفوظ ، أو ذكر الطاعون ، والله أعلم ، والعلاء الثقفي هذا إن كان ابن زيدل ، فهو كذاب .

طريق أخرى عنه : قال البخاري ومسلم : حدثنا زهير ، حدثنا جرير ، عن عمارة ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، قال : مازلت أحب بني تميم منذ ثلاث ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هم أشد أمتي على الدجال " . قال : وجاءت صدقاتهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذه صدقات قومي " . قال : وكانت سبية منهم عند عائشة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعتقيها; فإنها من ولد إسماعيل " .

حديث عمران بن حصين ، رضي الله عنه : قال أبو داود : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا جرير ، حدثنا حميد بن هلال ، عن أبي الدهماء ، قال : سمعت عمران بن حصين يحدث ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سمع [ ص: 190 ] بالدجال فلينأ عنه ، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه ، مما يبعث به من الشبهات " أو لما يبعث به من الشبهات " . هكذا قال . تفرد به أبو داود . وقال أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا هشام بن حسان ، حدثنا حميد بن هلال ، عن أبي الدهماء ، عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من سمع بالدجال فلينأ عنه ، فإن الرجل يأتيه يحسب أنه مؤمن ، فما يزال به - لما معه من الشبه - حتى يتبعه " . وكذلك رواه عن يزيد بن هارون ، عن هشام بن حسان . وهذا إسناد جيد ، وأبو الدهماء - واسمه قرفة بن بهيس العدوي - ثقة .

وقال سفيان بن عيينة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن عمران بن الحصين ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد أكل الطعام ، ومشى في الأسواق " . يعني الدجال .

حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه : قال أبو داود : حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا بقية ، حدثنا بحير ، عن خالد ، عن عمرو بن الأسود ، عن [ ص: 191 ] جنادة بن أبي أمية ، عن عبادة بن الصامت ، أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إني قد حدثتكم عن الدجال ، حتى خشيت ألا تعقلوا ، إن المسيح الدجال رجل قصير ، أفحج ، جعد ، أعور ، مطموس العين ليس بناتئة ، ولا حجراء ، فإن لبس عليكم ، فاعلموا أن ربكم ليس بأعور " . ورواه أحمد عن حيوة بن شريح ويزيد بن عبد ربه ، والنسائي عن إسحاق بن إبراهيم ، كلهم عن بقية بن الوليد ، به .

حديث عن أسماء بنت عميس : رواه الطبراني من طريق أنس بن عياض ، عن عبيد الله بن عمر ، حدثني بعض أصحابنا عن أسماء بنت عميس ، أنها شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحاجة ، فقال : " كيف بكم إذا ابتليتم بعبد قد سخرت له أنهار الأرض وثمارها ، فمن اتبعه أطعمه وأكفره ، ومن عصاه حرمه ومنعه؟ " فقلت : يا رسول الله ، إن الجارية لتخلفن على التنور ساعة تخبزها ، فأكاد أفتتن بها في صلاتي ، فكيف بنا إذا كان ذلك؟ فقال : " إن الله [ ص: 192 ] ليعصم المؤمنين بما يعصم به الملائكة من التسبيح ، مكتوب بين عينيه : كافر ، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب " .

حديث المغيرة بن شعبة : قال مسلم : حدثنا شهاب بن عباد العبدي ، حدثنا إبراهيم بن حميد الرؤاسي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن المغيرة بن شعبة ، قال : ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألت . قال : " وما ينصبك منه؟ إنه لا يضرك " . قال : قلت : يا رسول الله ، إنهم يقولون : إن معه الطعام والأنهار . قال : " هو أهون على الله من ذلك " .

حدثنا سريج بن يونس ، حدثنا هشيم ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن المغيرة بن شعبة قال : ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألته . قال : " وما سؤالك؟ " . قال : قلت : إنهم يقولون : معه جبال من خبز ولحم ، ونهر من ماء . قال " هو أهون على الله من ذلك " .

ورواه مسلم أيضا في الاستئذان ، من طرق كثيرة ، عن إسماعيل بن أبي خالد . وأخرجه البخاري ، عن مسدد ، عن يحيى القطان ، عن إسماعيل ، به .

[ ص: 193 ] وقد تقدم في حديث حذيفة وغيره أن ماءه نار ، وناره ماء بارد ، وإنما ذلك في رأي العين .

وقد تمسك بهذا الحديث طائفة من العلماء ، كابن حزم والطحاوي وغيرهما في أن الدجال ممخرق مموه ، لا حقيقة لما يبدي للناس من الأمور التي تشاهد في زمانه ، بل كلها خيالات عند هؤلاء . وقال الشيخ أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة : لا يجوز أن يكون لذلك حقيقة; لئلا يشتبه خارق الساحر بخارق النبي . وقد أجابه القاضي عياض وغيره بأن الدجال إنما يدعي الإلهية ، وذلك مناف لبشريته ، فلا يمتنع إجراء الخارق على يديه ، والحالة هذه .

وقد أنكرت طوائف كثيرة من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة خروج الدجال بالكلية ، وردوا الأحاديث الواردة فيه ، فلم يصنعوا شيئا ، وخرجوا بذلك عن حيز العلماء; لردهم ما تواترت به الأخبار الصحيحة من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم ذلك . وإنما أوردنا بعض ما ورد في هذا الباب ، وفيه كفاية ومقنع ، وبالله المستعان .

والذي يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدجال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق المشاهدة في زمانه ، كما تقدم أن من استجاب له يأمر السماء [ ص: 194 ] فتمطرهم ، والأرض فتنبت لهم زرعا تأكل منه أنعامهم ، وأنفسهم وترجع إليهم مواشيهم سمانا لبنا ، ومن لا يستجيب له ويرد عليه أمره تصيبهم السنة والجدب والقحط والغلة وموت الأنعام ونقص الأموال والأنفس والثمرات ، وأنه يتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل ، وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه ، وهذا كله ليس بمخرقة ، بل له حقيقة امتحن الله بها عباده في ذلك الزمان ، فيضل به كثيرا ، ويهدي به كثيرا ، يكفر المرتابون ، ويزداد الذين آمنوا إيمانا .

وقد حمل القاضي عياض وغيره على هذا المعنى معنى الحديث : " هو أهون على الله من ذلك " . أي هو أقل من أن يكون معه ما يضل به عباده المؤمنين ، وما ذاك إلا لأنه ناقص ، ظاهر النقص والفجور والظلم ، وإن كان معه ما معه من الخوارق; فبين عينيه مكتوب : كافر . كتابة ظاهرة ، وقد حقق ذلك الشارع في خبره بقوله : " ك ف ر " . فدل ذلك على أنه كتابة حسية ، لا معنوية ، كما يقوله بعض الناس ، وعينه الواحدة عوراء شنيعة المنظر ناتئة ، وهو معنى قوله : " كأنها عنبة طافية " . أي على وجه الماء ، ومن روى ذلك : " طافئة " . فمعناه : لا ضوء فيها . وفي الحديث الآخر : " كأنها نخامة على حائط مجصص " . أي بشعة الشكل .

وقد ورد في بعض الأحاديث أن عينه اليمنى عوراء ، وجاء في بعضها : اليسرى . فإما أن تكون إحدى الروايتين غير محفوظة ، أو أن العور [ ص: 195 ] حاصل في كل من العينين ، ويكون معنى العور النقص والعيب ، ويقوي هذا الجواب ما رواه الطبراني ، حدثنا محمد بن محمد التمار وأبو خليفة ، قالا : حدثنا أبو الوليد ، حدثنا زائدة ، حدثنا سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدجال جعد هجان أقمر ، كأن رأسه غصن شجرة ، مطموس عينه اليسرى ، والأخرى كأنها عنبة طافية " . الحديث . وكذلك رواه سفيان الثوري ، عن سماك بنحوه . لكن قد جاء في الحديث المتقدم : " وعينه الأخرى كأنها كوكب دري " .

وعلى هذا فتكون الرواية الواحدة غلطا ، ويحتمل أن يكون المراد أن العين الواحدة عوراء في نفسها ، والأخرى عوراء باعتبار انفرادها . والله ، سبحانه وتعالى ، أعلم بالصواب .

وقد سأل سائل سؤالا ، فقال : ما الحكمة في أن الدجال مع كثرة شره وفجوره ، وانتشار أمره ، ودعواه الربوبية ، وهو في ذاك ظاهر الكذب والافتراء ، وقد حذر منه جميع الأنبياء ، كيف لم يذكر في القرآن ، ويبصر منه ، ويصرح باسمه ، وينوه بكذبه وعناده؟ .

والجواب من وجوه; أحدها أنه قد أشير إلى ذكره في قوله تعالى : يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا [ ص: 196 ] الآية [ الأنعام : 158 ] .

فال أبو عيسى الترمذي عند تفسيرها : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا يعلى بن عبيد ، عن فضيل بن غزوان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا الدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من المغرب - أو من مغربها " . ثم قال : هذا حديث حسن صحيح .

الثاني : أن عيسى ابن مريم ينزل من السماء الدنيا ، فيقتل الدجال ، كما تقدم ، وكما سيأتي ، وقد ذكر في القرآن نزوله في قوله تعالى : بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا [ النساء : 158 ، 159 ] .

وقد قررنا في " التفسير " أن الضمير في قوله تعالى : قبل موته . عائد على عيسى ، أي سينزل إلى الأرض ، ويؤمن به أهل الكتاب الذين اختلفوا فيه اختلافا متباينا ، فمن مدعي الإلهية كالنصارى ، ومن قائل فيه قولا عظيما ، وهو أنه ولد زنية ، وهم اليهود ، ومن قائل أنه قتل وصلب ومات . إلى غير ذلك ، فإذا نزل قبل يوم القيامة تحقق كل من الفريقين كذب نفسه فيما يدعيه فيه من الافتراء ، وسنقرر هذا قريبا . وعلى هذا فيكون ذكر نزول المسيح عيسى ابن مريم إشارة إلى ذكر المسيح الدجال مسيح الضلالة ، وهو ضد مسيح الهدى ، ومن [ ص: 197 ] عادة العرب أنها تكتفي بذكر أحد الضدين عن ذكر الآخر ، كما هو مقرر في موضعه .

الثالث : أنه لم يذكر بصريح اسمه في القرآن احتقارا له ، حيث إنه يدعي الإلهية وهو بشر ، وهو مع بشريته ناقص الخلق ينافي حاله جلال الرب وعظمته وكبرياءه وتنزيهه عن النقص ، فكان أمره عند الرب أحقر من أن يذكر ، وأصغر ، وأدحر من أن يجلى عن أمر دعواه ويحذر ، ولكن انتصر الرسل لجناب الرب ، عز وجل ، فجلوا لأممهم عن أمره ، وحذروهم ما معه من الفتن المضلة ، والخوارق المنقضية المضمحلة ، فاكتفى بإخبار الأنبياء ، وتواتر ذلك عن سيد ولد آدم إمام الأتقياء عن أن يذكر أمره الحقير بالنسبة إلى جلال الله ، في القرآن العظيم ، ووكل بيان أمره إلى كل نبي كريم .

فإن قلت : فقد ذكر فرعون في القرآن ، وقد ادعى ما ادعاه من الإلهية والكذب والبهتان; حيث قال : أنا ربكم الأعلى [ النازعات : 24 ] . وقال : يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري [ القصص : 38 ] . فالجواب أن أمر فرعون قد انقضى ، وتبين كذبه لكل مؤمن وعاقل ، وأمر الدجال سيأتي ، وهو كائن فيما يستقبل فتنة واختبارا للعباد ، فترك ذكره في القرآن احتقارا له ، وامتحانا به ، إذ أمره وكذبه أظهر من أن ينبه عليه ، ويحذر منه ، وقد يترك ذكر الشيء لوضوحه ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته قد عزم على أن يكتب كتابا بخلافة أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، من بعده ، ثم ترك ذلك ، وقال : " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " . فترك نصه عليه لوضوح جلالته ، وعظيم [ ص: 198 ] قدره عند الصحابة ، وعلم ، عليه الصلاة والسلام ، أنهم لا يعدلون به أحدا بعده ، وكذلك وقع الأمر ، ولهذا يذكر هذا الحديث في دلائل النبوة ، كما تقدم ذكرنا له غير مرة في مواضع من هذا الكتاب .

وهذا المقام الذي نحن فيه من هذا القبيل ، وهو أن الشيء قد يكون ظهوره كافيا عن التنصيص عليه ، وأن الأمر أظهر وأوضح وأجلى من أن يحتاج معه إلى زيادة إيضاح على ما في القلوب مستقر ، فالدجال واضح الذم ظاهر النقص بالنسبة إلى المقام الذي يدعيه من الربوبية ، فترك الله ذكره والنص عليه; لما يعلم تعالى من عباده المؤمنين أن مثل الدجال لا يخفى ضلاله عليهم ولا يهيضهم ، ولا يزيدهم إلا إيمانا وتسليما لله ولرسوله ، وتصديقا للحق ، وردا للباطل .

ولهذا يقول ذلك المؤمن الذي يسلط عليه الدجال فيقتله ، ثم يحييه : والله ما ازددت فيك إلا بصيرة ، أنت الأعور الكذاب الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا يلزم من هذا أنه سمع خبر الدجال من رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاها .

وقد أخذ بظاهره إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الراوي للصحيح عن مسلم ، فحكى عن بعضهم أنه الخضر ، عليه السلام ، وحكاه القاضي عياض عن معمر في " جامعه " .

[ ص: 199 ] وقد قال أحمد في " مسنده " ، وأبو داود في " سننه " ، والتزمذي في " جامعه " ، بإسنادهم إلى أبي عبيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لعله سيدركه من رآني ، وسمع كلامي " . وهذا مما قد يتقوى به بعض من يقول بهذا ، ولكن في إسناده غرابة ، ولعل هذا كان قبل أن يبين له صلى الله عليه وسلم من أمر الدجال ما بين في ثاني الحال . والله تعالى أعلم .

وقد ذكرنا في قصة الخضر كلام الناس في حياته ، ودللنا على وفاته بأدلة أسلفناها هنالك ، فمن أراد الوقوف عليها فليتأملها في قصص الأنبياء من كتابنا هذا . والله أعلم بالصواب .  
 
قوله تعالى هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون

قوله تعالى هل ينظرون معناه أقمت عليهم الحجة وأنزلت عليهم الكتاب فلم يؤمنوا ، فماذا ينتظرون .

هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أي عند الموت لقبض أرواحهم .

أو يأتي ربك قال ابن عباس والضحاك : أمر ربك فيهم بالقتل أو غيره ، وقد يذكر المضاف إليه والمراد به المضاف ; كقوله تعالى : واسأل القرية يعني أهل القرية . وقوله : وأشربوا في قلوبهم العجل أي حب العجل . كذلك هنا : يأتي أمر ربك أي عقوبة ربك وعذاب ربك . ويقال : هذا من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله . وقد تقدم القول في مثله في " البقرة " وغيرها .

أو يأتي بعض آيات ربك قيل : هو طلوع الشمس من مغربها . بين بهذا أنهم يمهلون في الدنيا فإذا ظهرت الساعة فلا إمهال .

وقيل : إتيان الله تعالى مجيئه لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة ; كما قال تعالى : وجاء ربك والملك صفا صفا . وليس مجيئه تعالى حركة ولا انتقالا ولا زوالا ; لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسما أو جوهرا . والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون : يجيء وينزل ويأتي . ولا يكيفون ; لأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض . وعن صفوان بن عسال المرادي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة [ ص: 132 ] لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه . أخرجه الدارقطني والدارمي والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح . وقال سفيان : قبل الشام ، خلقه الله يوم خلق السماوات والأرض . " مفتوحا " يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه . قال : حديث حسن صحيح .

قلت : وكذب بهذا كله الخوارج والمعتزلة كما تقدم . وروى ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب فقال : أيها الناس ، إن الرجم حق فلا تخدعن عنه ، وإن آية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ، وأن أبا بكر قد رجم ، وأنا قد رجمنا بعدهما ، وسيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم ، ويكذبون بالدجال ، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا . ذكره أبو عمر . وذكر الثعلبي في حديث فيه طول عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه : أن الشمس تحبس عن الناس - حين تكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه - مقدار ليلة تحت العرش ، كلما سجدت واستأذنت ربها تعالى من أين تطلع لم يجئ لها جواب حتى يوافيها القمر فيسجد معها ، ويستأذن من أين يطلع فلا يجاء إليهما جواب حتى يحبسا مقدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر ; فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض وهم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين فإذا تم لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله تعالى إليهما جبريل عليه السلام فيقول : إن الرب سبحانه وتعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه ، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور . فيطلعان من مغاربهما أسودين ، لا ضوء للشمس ولا نور للقمر ، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك . فذلك قوله تعالى : وجمع الشمس والقمر وقوله : إذا الشمس كورت فيرتفعان كذلك مثل البعيرين المقرونين ; فإذا ما بلغ الشمس والقمر سرة السماء وهي منتصفها جاءهما جبريل عليه السلام فأخذ بقرونهما وردهما إلى المغرب ، فلا يغربهما من مغاربهما ولكن يغربهما من باب التوبة ثم يرد المصراعين ، ثم يلتئم ما بينهما فيصير كأنه لم يكن بينهما صدع . فإذا أغلق باب التوبة لم تقبل لعبد بعد ذلك توبة ، ولم تنفعه بعد ذلك حسنة يعملها ; إلا من كان قبل ذلك محسنا فإنه يجري عليه ما كان عليه قبل ذلك اليوم ; فذلك قوله تعالى : [ ص: 133 ] يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا .

ثم إن الشمس والقمر يكسيان بعد ذلك الضوء والنور ، ثم يطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك يطلعان ويغربان . قال العلماء : وإنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوعها من مغربها ; لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس ، وتفتر كل قوة من قوى البدن ; فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم ، وبطلانها من أبدانهم ; فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته ، كما لا تقبل توبة من حضره الموت . قال صلى الله عليه وسلم : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي تبلغ روحه رأس حلقه ، وذلك وقت المعاينة الذي يرى فيه مقعده من الجنة أو مقعده من النار ; فالمشاهد لطلوع الشمس من مغربها مثله . وعلى هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة ما عاش ; لأن علمه بالله تعالى وبنبيه صلى الله عليه وسلم وبوعده قد صار ضرورة . فإن امتدت أيام الدنيا إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان ، ولا يتحدثوا عنه إلا قليلا ، فيصير الخبر عنه خاصا وينقطع التواتر عنه ; فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قبل منه . والله أعلم .

وفي صحيح مسلم عن عبد الله قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا . وفيه عن حذيفة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه ، فاطلع إلينا فقال : ما تذاكرون ؟ قلنا : الساعة . قال : إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس .

قال شعبة : وحدثني عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل عن أبي سريحة مثل ذلك ، لا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أحدهما في العاشرة : ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم . وقال الآخر : وريح تلقي الناس في [ ص: 134 ] البحر . قلت : وهذا حديث متقن في ترتيب العلامات . وقد وقع بعضها وهي الخسوفات على ما ذكر أبو الفرج الجوزي من وقوعها بعراق العجم والمغرب . وهلك بسببها خلق كثير ; ذكره في كتاب فهوم الآثار وغيره . ويأتي ذكر الدابة في " النمل " . ويأجوج ومأجوج في " الكهف " . ويقال : إن الآيات تتابع كالنظم في الخيط عاما فعاما . وقيل : إن الحكمة في طلوع الشمس من مغربها أن إبراهيم عليه السلام قال لنمروذ : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر وأن الملحدة والمنجمة عن آخرهم ينكرون ذلك ويقولون : هو غير كائن ; فيطلعها الله تعالى يوما من المغرب ليري المنكرين قدرته أن الشمس في ملكه ، إن شاء أطلعها من المشرق وإن شاء أطلعها من المغرب . وعلى هذا يحتمل أن يكون رد التوبة والإيمان على من آمن وتاب من المنكرين لذلك المكذبين لخبر النبي صلى الله عليه وسلم بطلوعها ، فأما المصدقون لذلك فإنه تقبل توبتهم وينفعهم إيمانهم قبل ذلك . وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال : لا يقبل من كافر عمل ولا توبة إذا أسلم حين يراها ، إلا من كان صغيرا يومئذ ; فإنه لو أسلم بعد ذلك قبل ذلك منه . ومن كان مؤمنا مذنبا فتاب من الذنب قبل منه . وروي عن عمران بن حصين أنه قال : إنما لم تقبل توبته وقت طلوع الشمس حين تكون صيحة فيهلك فيها كثير من الناس ; فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت وهلك لم تقبل توبته ، ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته ; ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسيره . وقال عبد الله بن عمر : يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة حتى يغرسوا النخل . والله بغيبه أعلم .

وقرأ ابن عمر وابن الزبير ( يوم تأتي ) بالتاء ; مثل ( تلتقطه بعض السيارة ) . وذهبت بعض أصابعه . وقال جرير :


لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع قال المبرد : التأنيث على المجاورة لمؤنث لا على الأصل . وقرأ ابن سيرين ( لا تنفع ) بالتاء . قال أبو حاتم : يذكرون أن هذا غلط من ابن سيرين . قال النحاس : في هذا شيء دقيق من النحو ذكره سيبويه ، وذلك أن الإيمان والنفس كل واحد منهما مشتمل على الآخر فأنث الإيمان إذ هو من النفس وبها ; وأنشد سيبويه :


مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
[ ص: 135 ] قال المهدوي : وكثيرا ما يؤنثون فعل المضاف المذكر إذا كانت إضافته إلى مؤنث ، وكان المضاف بعض المضاف إليه منه أو به ; وعليه قول ذي الرمة : مشين . . . البيت فأنث المر لإضافته إلى الرياح وهي مؤنثة ، إذ كان المر من الرياح . قال النحاس : وفيه قول آخر وهو أن يؤنث الإيمان لأنه مصدر كما يذكر المصدر المؤنث ; مثل فمن جاءه موعظة من ربه وكما قال :


فقد عذرتنا في صحابته العذر ففي أحد الأقوال أنث العذر لأنه بمعنى المعذرة .

قل انتظروا إنا منتظرون بكم العذاب . 
الجامع لأحكام القرآن »
سورة الأنعام »
قوله تعالى هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة

المقحمات الباطل تعريفها في شريعة النووي

    تعقيب علي المقحمات يتبين من تعريف المقحمات بين النووي ومعاجم اللغة العتيدة أن النووي أخطأ جدا في التعريف { المقحمات مفتوح للك...