الأربعاء، 17 نوفمبر 2021

ذكر قتال الملحمة مع الروم الذي يكون آخره فتح القسطنطينية


ذكر قتال الملحمة مع الروم الذي يكون آخره فتح القسطنطينية

وعند ذلك يخرج الدجال ، وينزل المسيح عيسى ابن مريم من السماء إلى الأرض ، على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق ، وقت صلاة الفجر ، كما سيأتي بيان ذلك كله ، بالأحاديث الصحيحة .

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن مصعب ، هو القرقساني ، حدثنا الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن ذي مخمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " 1.تصالحون الروم صلحا آمنا ، 

2.وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائهم ، فتسلمون وتغنمون ، 

3.ثم تنزلون بمرج ذي تلول ، 

4.فيقوم رجل من الروم ، فيرفع الصليب ، ويقول : ألا غلب الصليب

5.فيقوم إليه رجل من المسلمين ، فيقتله ، 

6.فعند ذلك تغدر الروم ، وتكون الملاحم ، 

7.فيجمعون لكم ، فيأتونكم في ثمانين غاية ، مع كل غاية عشرة آلاف " . ثم رواه أحمد ، عن روح ، عن الأوزاعي ، به ، 

 وقال فيه : " فعند ذلك تغدر الروم ، ويجمعون للملحمة " . وهكذا رواه أبو داود وابن ماجه ، من حديث [ ص: 100 ] الأوزاعي ، به .

وقد تقدم في حديث عوف بن مالك ، في " صحيح البخاري " : " فيأتونكم تحت ثمانين غاية ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا " . 

 وهكذا في حديث شداد أبي عمار ، عن معاذ : " فيسيرون إليكم بثمانين بندا ، تحت كل بند اثنا عشر ألفا " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن أبي قتادة ، عن أسير بن جابر ، قال : هاجت ريح حمراء بالكوفة ، فجاء رجل ليس له هجيرى إلا : يا عبد الله بن مسعود ، جاءت الساعة . قال : وكان متكئا فجلس ، فقال : إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ، ولا يفرح بغنيمة . قال : عدو يجمعون لأهل الإسلام ، ويجمع لهم أهل الإسلام . ونحا بيده نحو الشام ، قلت؟ الروم تعني؟ قال : نعم ، وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة . قال : فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون ، حتى يحجز بينهم الليل ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب ، وتفنى [ ص: 101 ] الشرطة ، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب ، وتفنى الشرطة ، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون حتى يمسوا ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب ، وتفنى الشرطة ، فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام ، فيجعل الله الدبرة عليهم ، فيقتتلون مقتلة - إما قال : لا يرى مثلها ، وإما قال : لم ير مثلها - حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم . فما يخلفهم حتى يخر ميتا . قال : فيتعاد بنو الأب ، كانوا مائة ، فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد ، فبأي غنيمة يفرح؟ أو أي ميراث يقاسم؟ قال : فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك . قال : فجاءهم الصريخ : إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم ، فيرفضون ما في أيديهم ، ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم أسماءهم ، وأسماء آبائهم ، وألوان خيولهم ، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ " .

[ ص: 102 ] تفرد بإخراجه مسلم ، فرواه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر ، كلاهما عن إسماعيل ابن علية ، ومن حديث حماد بن زيد ، كلاهما عن أيوب ، ومن حديث سليمان بن المغيرة ، كلاهما عن حميد بن هلال العدوي ، عن أبي قتادة العدوي . وقد اختلف في اسمه ، والأشهر ما ذكره ابن معين أنه تميم بن نذير ، ووثقه . وقال ابن منده وغيره : كانت له صحبة . فالله أعلم .

وتقدم من رواية جبير بن نفير ، عن عوف بن مالك في تعداد الأشراط : " وهدنة تكون بينكم ، وبين بني الأصفر ، فيسيرون إليكم في ثمانين غاية ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا ، وفسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها : الغوطة . في مدينة يقال لها : دمشق " . رواه أحمد .

وروى أبو داود " من حديث جبير بن نفير أيضا ، عن أبى الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها : دمشق ، من خير مدائن الشام " .

وتقدم حديث أبي حية ، عن عبد الله بن عمرو ، في فتح القسطنطينية ، وكذا حديث أبي قبيل في فتح رومية بعدها أيضا .

وقال مسلم بن الحجاج : حدثني زهير بن حرب ، حدثنا معلى بن [ ص: 103 ] منصور ، حدثنا سليمان بن بلال ، حدثني سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق ، فيخرج إليهم جيش من المدينة ، من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا قالت الروم : خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم . فيقول المسلمون : لا والله ، لا نخلي بينكم وبين إخواننا . فيقاتلونهم ، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا ، فيفتتحون قسطنطينية ، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون ، إذ صاح فيهم الشيطان : إن المسيح قد خلفكم في أهليكم . فيخرجون ، وذلك باطل ، فإذا جاءوا الشام خرج ، فبينما هم يعدون للقتال ، يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة ، فينزل عيسى ابن مريم فأمهم ، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لانذاب حتى يهلك ، ولكن يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته " .

وقال مسلم : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز ، يعني ابن محمد ، عن ثور ، وهو ابن زيد الديلي ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سمعتم بمدينة جانب منها في البر ، وجانب منها في البحر؟ " قالوا : نعم ، يا رسول الله . قال : " لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني [ ص: 104 ] إسحاق ، فإذا جاءوها نزلوا ، فلم يقاتلوا بسلاح ، ولم يرموا بسهم; قالوا : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، فيسقط أحد جانبيها " . قال ثور : لا أعلمه إلا قال : " الذي في البحر ، ثم يقولوا الثانية : لا إله إلا الله ، والله أكبر . فيسقط جانبها الآخر ، ثم يقولوا الثالثة : لا إله إلا الله ، والله أكبر . فيفرج لهم ، فيدخلوها فيغنموا ، فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ ، فقال : إن الدجال قد خرج ، فيتركون كل شيء ويرجعون " .

وقال ابن ماجه : حدثنا علي بن ميمون الرقي ، حدثنا أبو يعقوب الحنيني ، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء " . ثم قال صلى الله عليه وسلم : " يا علي ، يا علي ، يا علي " . قال : بأبي وأمي . قال : " إنكم [ ص: 105 ] ستقاتلون بني الأصفر ، ويقاتلهم الذين من بعدكم ، حتى تخرج إليهم روقة الإسلام ، أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم ، فيفتتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير ، فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها ، حتى يقتسموا بالأترسة ، ويأتي آت ، فيقول : إن المسيح قد خرج في بلادكم ، ألا وهي كذبة ، فالآخذ نادم ، والتارك نادم " .

وقال مسلم : حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير ، عن عبد الملك بن عمير ، . عن جابر بن سمرة ، عن نافع بن عتبة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ، ثم فارس فيفتحها الله ، ثم تغزون الروم فيفتحها الله ، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله " .

وقد روى مسلم من حديث الليث بن سعد ، حدثني موسى بن علي ، عن أبيه ، قال : قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تقوم الساعة والروم أكثر الناس " . فقال له عمرو : أبصر ما تقول . قال : أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا : إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، وأوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ، وخامسة حسنة جميلة : وأمنعهم من ظلم الملوك .

[ ص: 106 ] ثم قال مسلم : حدثني حرملة بن يحيى التجيبي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني أبو شريح أن عبد الكريم بن الحارث حدثه أن المستورد القرشي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تقوم الساعة والروم أكثر الناس " . قال : فبلغ ذلك عمرو بن العاص ، فقال : ما هذه الأحاديث التي تذكر عنك أنك تقولها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له المستورد : قلت الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فقال عمرو : لئن قلت ذلك ، إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأصبر الناس عند مصيبة ، وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم . وهذا يدل على أن الروم يسلمون في آخر الزمان ، ولعل فتح القسطنطينية يكون على يدي طائفة منهم ، كما نطق به الحديث المتقدم أنه يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق ، والروم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، فهم أولاد عم بني إسرائيل ، وهو يعقوب بن إسحاق ، فالروم يكونون في آخر الزمان خيرا من بني إسرائيل ، فإن الدجال يتبعه سبعون ألفا من يهود أصبهان ، فهم أنصار الدجال ، وهؤلاء أعني الروم ، قد مدحوا في هذا الحديث ، فلعلهم يسلمون على يدي المسيح ابن مريم ، والله أعلم . على أنه قد وقع في بعض الروايات : " من بني إسماعيل " . وقوى ذلك عياض وغيره ، والله أعلم .

[ ص: 107 ] وقال إسماعيل بن أبي أويس : حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ستقاتلون بني الأصفر ، ويقاتلهم من بعدكم من المؤمنين أهل الحجاز ، حتى يفتح الله عليهم القسطنطينية ورومية بالتسبيح والتكبير ، فينهدم حصنها فيصيبون مالا لم يصيبوا مثله قط ، حتى إنهم يقتسمون بالأترسة ، ثم يصرخ صارخ : يا أهل الإسلام ، المسيح الدجال في بلادكم وذراريكم . فينفض الناس عن المال ، منهم الآخذ ، ومنهم التارك ، الآخذ نادم ، والتارك نادم ، فيقولون : من هذا الصارخ؟ ولا يعلمون من هو فيقولون : ابعثوا طليعة إلى إيلياء ، فإن يكن المسيح قد خرج فسيأتونكم بعلمه . فيأتون ، فينظرون ، فلا يرون شيئا ، ويرون الناس ساكتين فيقولون : ما صرخ الصارخ إلا لنبأ عظيم ، فاعتزموا ، ثم ارتضوا ، فيعتزمون أن نخرج بأجمعنا إلى إيلياء ، فإن يكن الدجال خرج نقاتله بأجمعنا ، حتى يحكم الله بيننا وبينه ، وإن تكن الأخرى فإنها بلادكم وعشائركم إن رجعتم إليها .

وقد روى الحافظ بهاء الدين ابن عساكر في كتابه " المستقصى في فضائل الأقصى " بسند له عن الأوزاعي ، عن خالد بن معدان ، عن كعب الأحبار ، أنه قال : إن مدينة القسطنطينية شمتت بخراب بيت المقدس ، يعني زمن بخت نصر ، فتعززت وتجبرت وشمخت ، فسماها الله ، عز وجل ، العاتية المستكبرة; وذلك أنها قالت مع شماتتها ببيت المقدس . إن يكن عرش ربي على الماء ، فقد بنيت أنا على الماء ، فغضب الله تعالى عليها ، ووعدها العذاب والخراب وقال [ ص: 108 ] لها : حلفت يا مستكبرة لما قد عتيت عن أمري وتجبرت ، لأبعثن عليك عبادا لي مؤمنين من مساكن سبأ ، ثم لأشجعن قلوبهم حتى أدعها كقلوب الأسد الضارية ، ولأجعلن صوت أحدهم عند البأس كصوت الأسد حين يخرج من الغابة ، ثم لأرعبن قلوب أهلك كرعب العصفور ، ثم لأنزعن عنك حليك وديباجك ورياشك ، ثم لأتركنك جلحاء قرعاء صلعاء; فإنه طال ما أشرك بي فيك ، وعبد غيري ، وافتري علي ، وأمهلتك إلى اليوم الذي فيه خزيك ، فلا تستعجلي يا عاتية فإنه لن يفوتني شيء أريده .

وقال الإمام أحمد : ثنا عبد الجبار بن العباس الشامي ، عن أبي قيس قال عبد الجبار : أراه عن هزيل ، قال : قام حذيفة في دار عامر بن حنظلة فيها اليمني والمضري ، فقال : " ليأتين على مضر يوم لا يدعون لله عبدا يعبده إلا قتلوه ، أو ليضربن ضربا لا يمنعون ذنب تلعة " . فقيل : يا أبا عبد الله تقول هذا لقومك - أو : لقوم أنت منهم - فقال : لا أقول إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن جبير بن نفير ، عن مالك بن يخامر ، عن [ ص: 109 ] معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عمران بيت المقدس خراب يثرب ، وخراب يثرب خروج الملحمة ، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية ، وفتح القسطنطينية خروج الدجال " . قال : ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه ، ثم قال " إن هذا لحق كما أنك هاهنا " . أو : " كما أنك قاعد " . يعني معاذا .

وهكذا رواه أبو داود ، عن عباس العنبري ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم ، به .

وهذا إسناد جيد وحديث حسن ، وعليه نور الصدق وجلالة النبوة ، وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الدجال ، وإنما ذلك في آخر الزمان ، كما سيأتي بيانه في الأحاديث الصحيحة ، بل قد يكون عمارة بيت المقدس سببا في خراب المدينة النبوية; لأن الناس يرحلون منها إلى الشام لأجل الريف والرخص ، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الدجال لا يدخلها يمنعه من ذلك ما على أنقابها من الملائكة ، بأيديهم السيوف المصلتة .

وفي " صحيح البخاري " من حديث مالك ، عن نعيم المجمر ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال " . وفي " جامع الترمذي " أن المسيح ابن مريم إذا مات يدفن في الحجرة النبوية .

[ ص: 110 ] وقد قال مسلم : حدثني عمرو الناقد ، حدثنا الأسود بن عامر ، حدثنا زهير ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تبلغ المساكن إهاب " . أو : " يهاب " . قال زهير : قلت لسهيل : فكم ذلك من المدينة؟ قال : كذا وكذا ميلا .

فهذه العمارة إما أن تكون قبل عمارة بيت المقدس ، وقد تكون بعد ذلك بدهر ، ثم تخرب بالكلية ، كما دلت على ذلك الأحاديث التي سنوردها .

وقد روى القرطبي ، من طريق الوليد بن مسلم ، عن ابن لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أنه سمع عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، على المنبر ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يخرج أهل المدينة منها ، ثم يعودون إليها فيعمرونها حتى تمتلئ ، ثم يخرجون منها ، ثم لا يعودون إليها أبدا " .

وفي حديث عن أبي سعيد ، مرفوعا مثله ، وزاد : " وليدعنها وهي خير ما تكون ، مونعة " . قيل : فمن يأكلها؟ قال : " الطير والسباع " .

وفي " صحيح مسلم " ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يتركون المدينة على خير ما كانت ، لا يغشاها إلا العوافي - يريد عوافي السباع والطير - [ ص: 111 ] ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما ، فيجدانها وحشا ، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما " .

وفي حديث حذيفة : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء ، إلا أني لم أسأله : ما يخرج أهل المدينة منها؟ وفي حديث آخر ، عن أبي هريرة : " يخرجون منها ونصف ثمرها زهو ، ونصفه رطب " . قيل : ما يخرجهم منها يا أبا هريرة؟ قال : أمراء السوء .

وقال أبو داود : حدثنا ابن نفيل ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن أبي بكر بن أبي مريم ، عن الوليد بن سفيان الغساني ، عن يزيد بن قطب السكوني ، عن أبي بحرية ، عن معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الملحمة الكبرى ، وفتح القسطنطينية ، وخروج الدجال في سبعة أشهر " . ورواه الترمذي ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن الحكم بن المبارك ، عن الوليد بن مسلم به ، وقال : حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وفي الباب عن الصعب بن جثامة ، [ ص: 112 ] وعبد الله بن بسر ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي سعيد الخدري .

ورواه ابن ماجه ، عن هشام بن عمار ، عن الوليد بن مسلم وإسماعيل بن عياش ، عن أبي بكر بن أبي مريم ، به .

وقد قال الإمام أحمد وأبو داود ، واللفظ له : حدثنا حيوة بن شريح الحمصي ، حدثنا بقية ، عن بحير بن سعد ، عن خالد ، هو ابن معدان ، عن ابن أبي بلال ، عن عبد الله بن بسر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ، ويخرج الدجال في السابعة " . وهكذا رواه ابن ماجه ، عن سويد بن سعيد ، عن بقية ، به .

وهذا مشكل مع الذي قبله ، اللهم إلا أن يكون بين أول الملحمة وآخرها ست سنين ، ويكون بين آخرها وفتح المدينة ، وهي القسطنطينية ، مدة قريبة ، بحيث يكون ذلك مع خروج الدجال في سبعة أشهر ، والله أعلم .

وقال الترمذي : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا أبو داود ، عن شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن أنس بن مالك ، قال : فتح القسطنطينية مع قيام الساعة . قال محمود : هذا حديث غريب ، والقسطنطينية هي مدينة الروم تفتح عند خروج الدجال ، والقسطنطينية قد فتحت في زمان بعض أصحاب النبي [ ص: 113 ] صلى الله عليه وسلم . هكذا قال إنها فتحت في زمن الصحابة ، وفي هذا نظر; فإن معاوية بعث إليها ابنه يزيد في جيش فيهم أبو أيوب الأنصاري ، ولكن لم يتفق له فتحها ، وحاصرها مسلمة بن عبد الملك بن مروان ، في زمان دولتهم ، ولم يفتحها أيضا ، ولكن صالحهم على بناء مسجد بها ، كما قدمنا ذلك مبسوطا . والله سبحانه أعلم .




التالي السابق



ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص









[ ص: 177 ] أحمد بن حنبل ( ع )

هو الإمام حقا ، وشيخ الإسلام صدقا ، أبو عبد الله ، أحمد بن [ ص: 178 ] محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي ، أحد الأئمة الأعلام . هكذا ساق نسبه ولده عبد الله ، واعتمده أبو بكر الخطيب في " تاريخه " وغيره .

وقال الحافظ أبو محمد بن أبي حاتم في كتاب " مناقب أحمد " : حدثنا صالح بن أحمد قال : وجدت في كتاب أبي نسبه ، فساقه إلى مازن ، كما مر ، ثم قال : ابن هذيل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة ، كذا قال : هذيل ، وهو وهم وزاد بعد وائل : ابن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم ، صلوات الله عليه .

وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا صالح بن أحمد فذكر النسب ، فقال فيه ذهل على الصواب . وهكذا نقل إسحاق الغسيلي عن صالح . وأما قول عباس الدوري ، وأبي بكر بن أبي داود : إن الإمام أحمد [ ص: 179 ] من بني ذهل بن شيبان فوهم ، غلطهما الخطيب وقال : إنما هو من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة ، ثم قال : وذهل بن ثعلبة هم عم ذهل بن شيبان بن ثعلبة . فينبغي أن يقال فيه : أحمد بن حنبل الذهلي على الإطلاق . وقد نسبه أبو عبد الله البخاري إليهما معا .

وأما ابن ماكولا فمع بصره بهذا الشأن وهم أيضا . وقال في نسبه : مازن بن ذهل بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة ، وما تابعه على هذا أحد . وكان محمد والد أبي عبد الله من أجناد مرو ، مات شابا له نحو من ثلاثين سنة . وربي أحمد يتيما ، وقيل : إن أمه تحولت من مرو ، وهي حامل به .

فقال صالح ، قال لي أبي : ولدت في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة قال صالح : جيء بأبي حمل من مرو ، فمات أبوه شابا ، فوليته أمه .

وقال عبد الله بن أحمد ، وأحمد بن أبي خيثمة : ولد في ربيع الآخر .

قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : طلبت الحديث سنة تسع وسبعين ، فسمعت بموت حماد بن زيد ، وأنا في مجلس هشيم .

قال صالح : قال أبي : ثقبت أمي أذني فكانت تصر فيهما لؤلؤتين ، فلما ترعرعت ، نزعتهما ، فكانت عندها ، ثم دفعتهما إلي ، فبعتهما بنحو من ثلاثين درهما .

قال أبو داود : سمعت يعقوب الدورقي ، سمعت أحمد يقول : ولدت في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة .

شيوخه [ ص: 180 ] طلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة ، في العام الذي مات فيه مالك ، وحماد بن زيد . فسمع من إبراهيم بن سعد قليلا ، ومن هشيم بن بشير فأكثر ، وجود ، ومن عباد بن عباد المهلبي ، ومعتمر بن سليمان التيمي ، وسفيان بن عيينة الهلالي ، وأيوب بن النجار ، ويحيى بن أبي زائدة ، وعلي بن هاشم بن البريد وقران بن تمام ، وعمار بن محمد الثوري ، والقاضي أبي يوسف ، وجابر بن نوح الحماني ، وعلي بن غراب القاضي ، وعمر بن عبيد الطنافسي ، وأخويه يعلى ، ومحمد ، والمطلب بن زياد ، ويوسف بن الماجشون ، وجرير بن عبد الحميد ، وخالد بن الحارث ، وبشر بن المفضل ، وعباد بن العوام ، وأبي بكر بن عياش ، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي ، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، وعبدة بن سليمان ، ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، والنضر بن إسماعيل البجلي ، وأبي خالد الأحمر ، وعلي بن ثابت الجزري ، وأبي عبيدة الحداد ، وعبيدة بن حميد الحذاء ، ومحمد بن سلمة الحراني ، وأبي معاوية الضرير ، وعبد الله بن إدريس ، ومروان بن معاوية ، وغندر ، وابن علية ، ومخلد بن يزيد الحراني ، وحفص بن غياث ، وعبد الوهاب الثقفي ، ومحمد بن فضيل ، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي ، والوليد بن مسلم ، ويحيى بن سليم حديثا واحدا ، ومحمد بن يزيد الواسطي ، ومحمد بن الحسن المزني الواسطي ، ويزيد بن هارون ، وعلي بن عاصم ، وشعيب بن حرب ، ووكيع فأكثر ، ويحيى القطان فبالغ ، ومسكين بن بكير ، وأنس بن عياض الليثي ، وإسحاق الأزرق ، ومعاذ بن [ ص: 181 ] معاذ ، ومعاذ بن هشام ، وعبد الأعلى السامي ، ومحمد بن أبي عدي ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وعبد الله بن نمير ، ومحمد بن بشر ، وزيد بن الحباب ، وعبد الله بن بكر ، ومحمد بن إدريس الشافعي ، وأبي عاصم ، وعبد الرزاق ، وأبي نعيم ، وعفان ، وحسين بن علي الجعفي ، وأبي النضر ، ويحيى بن آدم ، وأبي عبد الرحمن المقرئ ، وحجاج بن محمد ، وأبي عامر العقدي ، وعبد الصمد بن عبد الوارث ، وروح بن عبادة ، وأسود بن عامر ، ووهب بن جرير ، ويونس بن محمد ، وسليمان بن حرب ، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد ، وخلائق إلى أن ينزل في الرواية عن قتيبة بن سعيد ، وعلي ابن المديني ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وهارون بن معروف ، وجماعة من أقرانه . فعدة شيوخه الذين روى عنهم في " المسند " مائتان وثمانون ونيف .

قال عبد الله : حدثني أبي ، قال حدثنا علي بن عبد الله ، وذلك قبل المحنة . قال عبد الله : ولم يحدث أبي عنه بعد المحنة بشيء .

قلت : يريد عبد الله بهذا القول أن أباه لم يحمل عنه بعد المحنة شيئا ، وإلا فسماع عبد الله بن أحمد لسائر كتاب " المسند " من أبيه كان بعد المحنة بسنوات في حدود سنة سبع وثمان وعشرين ومائتين ، وما سمع عبد الله شيئا من أبيه ولا من غيره إلا بعد المحنة ، فإنه كان أيام المحنة صبيا مميزا ما كان حله يسمع بعد والله أعلم .

حدث عنه البخاري حديثا ، وعن أحمد بن الحسن عنه حديثا آخر في المغازي . وحدث عنه مسلم ، وأبو داود بجملة وافرة ، وروى أبو داود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجه عن رجل عنه ، وحدث عنه أيضا ولداه صالح وعبد الله ، وابن عمه حنبل بن إسحاق ، وشيوخه عبد الرزاق ، [ ص: 182 ] والحسن بن موسى الأشيب ، وأبو عبد الله الشافعي ، لكن الشافعي لم يسمه ، بل قال : حدثني الثقة . وحدث عنه علي ابن المديني ، ويحيى بن معين ، ودحيم ، وأحمد بن صالح ، وأحمد بن أبي الحواري ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، وأحمد بن إبراهيم الدورقي ، وأحمد بن الفرات ، والحسن بن الصباح البزار ، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، وحجاج بن الشاعر ، ورجاء بن مرجى ، وسلمة بن شبيب ، وأبو قلابة الرقاشي ، والفضل بن سهل الأعرج ، ومحمد بن منصور الطوسي ، وزياد بن أيوب ، وعباس الدوري ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وحرب بن إسماعيل الكرماني ، وإسحاق الكوسج ، وأبو بكر الأثرم ، وإبراهيم الحربي ، وأبو بكر المروذي وأبو زرعة الدمشقي ، وبقي بن مخلد ، وأحمد بن أصرم المغفلي ، وأحمد بن منصور الرمادي ، وأحمد بن ملاعب ، وأحمد بن أبي خيثمة ، وموسى بن هارون ، وأحمد بن علي الأبار ، ومحمد بن عبد الله مطين وأبو طالب أحمد بن حميد ، وإبراهيم بن هانئ النيسابوري ، وولده إسحاق بن إبراهيم ، وبدر المغازلي ، وزكريا بن يحيى الناقد ، ويوسف بن موسى الحربي ، وأبو محمد فوران ، وعبدوس بن مالك العطار ، ويعقوب بن بختان ، ومهنى بن يحيى الشامي ، وحمدان بن علي الوراق ، وأحمد بن محمد القاضي البرتي ، والحسين بن إسحاق التستري ، وإبراهيم بن محمد بن الحارث الأصبهاني ، وأحمد بن يحيى ثعلب ، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ، وإدريس بن عبد الكريم الحداد ، وعمر بن حفص السدوسي ، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي ، ومحمد بن عبد [ ص: 183 ] الرحمن السامي ، وعبد الله بن محمد البغوي ، وأمم سواهم . وقد جمع أبو محمد الخلال جزءا في تسمية الرواة عن أحمد سمعناه من الحسن بن علي ، عن جعفر ، عن السلفي ، عن جعفر السراج عنه ، فعد فيهم وكيع بن الجراح ، ويحيى بن آدم .

قال الخطيب في كتاب " السابق " : أخبرنا أبو سعيد الصيرفي ، حدثنا الأصم ، حدثنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا الثقة من أصحابنا ، عن يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق ، أن عمر قال : إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة .

قال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبو زرعة أن أحمد أصله بصري ، وخطته بمرو ، وحدثنا صالح سمعت أبي يقول : مات هشيم فخرجت إلى الكوفة سنة ثلاث وثمانين ، وأول رحلاتي إلى البصرة سنة ست . وخرجت إلى سفيان سنة سبع فقدمنا ، وقد مات الفضيل بن عياض . وحججت خمس حجج ، منها ثلاث راجلا ، أنفقت في إحداها ثلاثين درهما . وقدم ابن المبارك في سنة تسع وسبعين ، وفيها أول سماعي من هشيم ، فذهبت إلى مجلس ابن المبارك ، فقالوا : قد خرج إلى طرسوس ، وكتبت عن هشيم أكثر من ثلاثة آلاف . ولو كان عندي خمسون درهما ، لخرجت إلى جرير إلى الري . قلت : قد سمع منه أحاديث . قال : وسمعت أبي يقول : كتبت عن إبراهيم بن سعد في ألواح ، وصليت خلفه غير مرة ، فكان يسلم واحدة . وقد روى عن أحمد من شيوخه ابن مهدي . فقرأت على إسماعيل بن الفراء ، أخبرنا ابن قدامة ، أخبرنا المبارك بن [ ص: 184 ] خضير ، أخبرنا أبو طالب اليوسفي ، أخبرنا إبراهيم بن عمر ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا ابن أبي حاتم ، حدثنا أحمد بن سنان ، سمعت ، عبد الرحمن بن مهدي يقول : كان أحمد بن حنبل عندي ، فقال : نظرنا فيما كان يخالفكم فيه وكيع ، أو فيما يخالف وكيع الناس ، فإذا هي نيف وستون حديثا
روى صالح بن أحمد ، عن أبيه ، قال : مات هشيم ، وأنا ابن عشرين سنة ، وأنا أحفظ ما سمعت منه .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المقحمات الباطل تعريفها في شريعة النووي

    تعقيب علي المقحمات يتبين من تعريف المقحمات بين النووي ومعاجم اللغة العتيدة أن النووي أخطأ جدا في التعريف { المقحمات مفتوح للك...