الكلام على أحاديث الدجال
قال مسلم : حدثني
حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي ، أخبرني ابن وهب ، أخبرني
يونس ، عن ابن شهاب ، أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر أخبره أن عمر
بن الخطاب انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط قبل ابن صياد حتى وجده
يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة ، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم ، فلم يشعر
حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لابن صياد : "
أتشهد أني رسول
الله؟ " فنظر إليه ابن صياد فقال : أشهد أنك رسول الأميين ، فقال ابن صياد
لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال : " آمنت بالله وبرسله " . ثم قال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " ماذا ترى؟ " قال ابن صياد : يأتيني صادق وكاذب . فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلط عليك الأمر
" . ثم قال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " إني قد خبأت لك خبيئا
" . فقال ابن صياد : هو
[ ص: 121 ] الدخ . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخسأ ، فلن تعدو
قدرك " . فقال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه
: ذرني يا رسول الله
أضرب عنقه . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " إن يكنه قلن تسلط
عليه ، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله " . وقال سالم بن عبد الله : سمعت عبد
الله بن عمر يقول : انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب
الأنصاري إلى النخل التي فيها ابن صياد حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
النخل طفق يتقي بجذوع النخل ، وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه ابن
صياد ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مضطجع على فراش في قطيفة ، له
فيها زمزمة ، فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل
، فقالت لابن صياد : يا صاف - وهو اسم ابن صياد - هذا محمد . فثار ابن
صياد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو تركته بين
" .
قال سالم : قال عبد
الله بن عمر : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، فأثنى على الله بما
هو أهله ، ثم ذكر الدجال ، فقال : " إني لأنذركموه ، ما من نبي إلا [ ص: 122
] وقد أنذره قومه ، لقد أنذره نوح قومه ، ولكن أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي
لقومه ، تعلموا أنه أعور ، وأن الله تبارك وتعالى ليس بأعور
" .
قال ابن شهاب :
وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري ، أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حذر الناس الدجال : " إنه مكتوب بين
عينيه كافر ، يقرؤه من كره عمله ، أو يقرؤه كل مؤمن " . وقال : " تعلموا
أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت " . وأصل الحديث عند البخاري من
حديث الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، بنحوه
.
وروى مسلم أيضا ،
من حديث عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر
الدجال بين ظهراني الناس فقال : " إن الله تعالى ليس بأعور ، ألا وإن المسيح
الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافئة " . ولمسلم من حديث شعبة ،
عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من نبي إلا
وقد أنذر أمته الأعور الكذاب ، ألا إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، ومكتوب بين عينيه
كافر " . رواه البخاري من حديث شعبة ، بنحوه
.
قال مسلم
: وحدثني زهير بن حرب
، حدثنا عفان ، حدثنا عبد الوارث ، عن شعيب بن الحبحاب ، عن أنس بن مالك ، قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 123
] " الدجال ممسوح العين
، مكتوب بين عينيه كافر " . ثم تهجاها ك ف ر ، " يقرؤه كل مسلم
" .
وقال أحمد : ثنا
يزيد بن هارون ، ثنا محمد بن إسحاق ، عن داود بن عامر بن سعد بن مالك ، عن أبيه ،
عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه لم يكن نبي إلا وصف
الدجال لأمته ، ولأصفنه صفة لم يصفها أحد كان قبلي ، إنه أعور ، والله عز وجل ليس
بأعور " لم يخرجوه ، وإسناده جيد
.
ولمسلم من حديث الأعمش
، عن شقيق ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدجال
أعور العين اليسرى ، جفال الشعر ، معه جنة ونار ، فناره جنة وجنته نار
" .
حدثنا أبو بكر بن أبي
شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأنا أعلم بما مع الدجال منه ،
معه نهران يجريان; أحدهما رأي العين ماء أبيض ، والآخر رأي العين نار تأجج ، فإما
أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه نارا وليغمض ، ثم ليطأطئ رأسه ، فيشرب منه ، فإنه
ماء بارد ، وإن الدجال ممسوح [ ص: 124
] العين ، عليها ظفرة
غليظة ، مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤه كل مؤمن ، كاتب وغير كاتب
" .
ثم رواه من حديث
شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
، بنحوه .
قال أبو مسعود :
وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
.
ورواه البخاري من
حديث شعبة ، بنحوه .
وقال الإمام أحمد :
ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن أبي التياح ، سمعت صخرا يحدث عن سبيع قال :
أرسلوني من ماء إلى الكوفة أشتري الدواب فأتينا الكناسة ، فإذا رجل عليه جمع ،
فأما صاحبي فانطلق إلى الدواب ، وأما أنا فأتيته ، فإذا حذيفة ، فسمعته يقول : كان
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير ، وأسأله عن الشر ، فقلت :
يا رسول الله ، هل بعد هذا الخير من شر؟ قال : " نعم " . قلت : فما
العصمة منه؟ قال : " السيف
" .
[ ص: 125 ] قلت : ثم
ماذا؟ قال : " ثم تكون هدنة على دخن " . قال :
قلت : ثم ماذا؟ قال
: " ثم تكون دعاة الضلالة ، فإن رأيت يومئذ خليفة في الأرض فالزمه ، وإن نهك
جسمك ، وأخذ مالك ، فإن لم تره فاهرب في الأرض ، ولو أن تموت وأنت عاض بجذل شجرة
" . قال : قلت : ثم ماذا؟ قال : " ثم يخرج الدجال " . قال : قلت :
فبم يجيء به معه؟ قال : " بنهر - أو قال : ماء ونار -
فمن دخل نهره حبط
أجره ، ووجب وزره ، ومن دخل ناره وجب أجره ، وحبط وزره "
. قال : قلت : ثم
ماذا؟ قال : " لو أنتجت فرسا لم تركب فلوها حتى تقوم الساعة " . وروى
البخاري ، ومسلم من حديث شيبان بن عبد الرحمن ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة
، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم عن
الدجال حديثا ما حدثه نبي قومه؟ إنه أعور ، وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار ،
فالتي يقول إنها الجنة ، هي النار ، وإني أنذرتكم به ، كما أنذر به نوح قومه
" .
وروى مسلم من حديث
محمد بن المنكدر قال : رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد "
الدجال ، فقلت : أتحلف بالله؟ قال؟ إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه
وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم
.
وروي من حديث نافع
، أن ابن عمر لقي ابن صياد في بعض طرق [ ص: 126 ] المدينة ، فقال له ابن عمر قولا
أغضبه ، فانتفخ حتى ملأ السكة - وفي رواية أن ابن صياد نخر كأشد نخير حمار يكون ،
وأن ابن عمر ضربه حتى تكسرت عصاه - ثم دخل على أخته حفصة ، فقالت له : ما أردت من
ابن صياد؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما يخرج من
غضبة يغضبها " .
قال بعض العلماء
: ابن صياد كان بعض
الصحابة يظنه الدجال الأكبر ، وليس به ، إنما كان دجالا من الدجاجلة صغيرا . وقد
ثبت في " الصحيح " أنه صحب أبا سعيد فيما بين مكة والمدينة ، وأن ابن
صياد تبرم إليه مما تقول الناس فيه إنه الدجال ، ثم قال لأبي سعيد : ألم يقل رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " إنه لا يدخل المدينة " . وقد ولدت بها ،
" وإنه لا يولد له " . وقد ولد لي ، " وإنه كافر " . وأنا قد
أسلمت؟ ثم قال ابن صياد : ومع هذا إني لأعلم الناس به ، وأين مكانه ، ولو عرض علي
أن أكون إياه لما كرهت ذلك .
وقال أحمد
: حدثنا عبد المتعال
بن عبد الوهاب ، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي ، حدثنا مجالد ، عن أبي الوداك ، عن
أبي سعيد قال : ذكر ابن صياد عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر : إنه يزعم
أنه لا يمر بشيء إلا كلمه .
وقال أحمد : ثنا
سعيد مولى بني هاشم ، حدثني مهدي بن [ ص: 127 ] عمران المازني ، سمعت أبا الطفيل ،
وسئل هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم . قيل : هل كلمته؟ قال : لا
، ولكني رأيته انطلق مكان كذا وكذا ، ومعه عبد الله بن مسعود وأناس من أصحابه حتى
أتى دارا قوراء ، فقال : "
افتحوا هذا الباب
" . ففتحوا ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت معه ، فإذا قطيفة في
وسط البيت ، فقال : " ارفعوا هذه القطيفة " . فرفعوها ، فإذا غلام أعور
تحت القطيفة ، فقال : " قم يا غلام " . فقام الغلام . فقال :
" يا غلام ، أتشهد
أني رسول الله " . فقال الغلام : أشهد أني رسول الله
. قال : " أتشهد
أني رسول الله " . فقال الغلام : أشهد أني رسول الله . فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " تعوذوا بالله من شر هذا " مرتين
.
والمقصود أن ابن
صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعا; لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية ،
فإنه فيصل في هذا المقام . والله أعلم
.
التالي السابق
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث
تَشكيِل النص
[ ص: 389 ] حرملة ( م
، ق ، س )
ابن يحيى بن عبد
الله بن حرملة بن عمران ، الإمام الفقيه المحدث الصدوق ، أبو حفص التجيبي مولى بني
زميلة المصري .
حدث عن ابن وهب ،
فأكثر جدا ، وعن الشافعي فلزمه ، وتفقه به ، وعن أيوب بن سويد ، وبشر بن بكر ،
وسعيد بن أبي مريم وطائفة .
حدث عنه : مسلم ،
وابن ماجه ، وبواسطة النسائي ، وأبو عبد الرحمن أحمد بن عثمان النسائي ، وإسحاق بن
موسى النيسابوري ، وأحمد بن الهيثم ، وحفيده أحمد بن طاهر بن حرملة ، وبقي بن مخلد
، والحسن بن سفيان ، ومحمد بن أحمد بن عثمان المديني ، ومحمد بن الحسن بن قتيبة
العسقلاني ، وآخرون .
قال أبو حاتم : لا
يحتج به .
وروى عباس الدوري ،
عن يحيى ، قال : شيخ بمصر يقال له : حرملة كان أعلم الناس بابن وهب
.
وقال ابن عدي :
سألت عبد الله بن محمد الفرهاذاني أن يحدثني عن حرملة ، فقال : حرملة ضعيف ،
وحدثني عنه بثلاثة أحاديث . [ ص: 390
]
وقال أبو عمر الكندي
: كان حرملة فقيها ، لم يكن بمصر أحد أكتب عن ابن وهب منه . وذلك أن ابن وهب أقام
في منزلهم سنة وأشهرا مستخفيا من عباد إذ طلبه ليوليه القضاء بمصر ، أخبرني بذلك
يحيى بن أبي معاوية .
وأخبرني أبو سلمة ،
وأبو دجانة ، قالا : سمعنا حرملة ، يقول : عادني ابن وهب من الرمد ، وقال : يا أبا
حفص ، لا يعاد من الرمد ، ولكنك من أهلي
.
وعن أحمد بن صالح ،
قال : صنف ابن وهب مائة وعشرين ألف حديث عند بعض الناس منها النصف ، عنى نفسه ،
وعند بعض الناس الكل ، يعني حرملة
.
قال محمد بن موسى :
حديث ابن وهب كله عند حرملة إلا حديثين
:
قال ابن عدي : قد
تبحرت حديث حرملة ، وفتشته الكثير ، فلم أجد في حديثه ما يجب أن يضعف من أجله ،
ورجل توارى ابن وهب عندهم ، ويكون حديثه كله عنده ، فليس يبعد أن يغرب على غيره
.
قال هارون بن سعيد
: سمعت أشهب ونظر إلى حرملة ، فقال : هذا خير أهل المسجد
.
وقال ابن يونس في
" تاريخه " : كان حرملة أملى الناس بما حدث به ابن وهب . قلت : لم يرحل
حرملة ، ولا عنده عن الحجازيين شيء
.
قال ابن يونس : ولد
في سنة ست وستين ومائة ، ومات في شوال لتسع [ ص: 391 ] بقين منه ، سنة ثلاث
وأربعين ومائتين ، رحمه الله .
أخبرنا الحسن بن
علي ، أخبرنا مكرم بن محمد ، أخبرنا حمزة بن أسد التميمي سنة 553 ، أخبرنا سهل بن
بشر ، أخبرنا محمد بن الحسين الطفال ، أخبرنا الحسن بن رشيق ، حدثنا أحمد بن محمد
بن يحيى بن مهران ، حدثنا حرملة ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ،
عن سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة كان يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- : يقبض الله الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ،
فأين ملوك الأرض ؟ هذا حديث صحيح ثابت والقرآن جاء بمصداقه
.
أخبرنا علي بن علي
القرشي ، وأحمد بن سلطان ، قالا : أخبرنا ابن مسلمة ، حدثنا علي بن الحسن الحافظ ،
أخبرنا عبد الواحد بن حمد ، أخبرنا أحمد بن محمود الثقفي ، أخبرنا محمد بن إبراهيم
، أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة ، حدثنا حرملة بن يحيى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرنا
عمرو بن الحارث ، عن عبد ربه ، عن عبد الله بن كعب الحميري ، أن أبا بكر حدثه أن
مروان أرسله إلى أم سلمة ، يسأل عن الرجل يصبح جنبا أيصوم ؟ فقالت : كان رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - يصبح جنبا من جماع لا حلم ، ثم يصوم ، ولا يقضي .
أخرجه النسائي عن أحمد بن الهيثم عن حرملة
.
حديث فاطمة بنت قيس في
الدجال
قال مسلم : حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث
، وحجاج [ ص: 128 ] ابن الشاعر ، كلاهما عن عبد الصمد ، واللفظ لعبد الوارث بن عبد
الصمد ، حدثني أبي ، عن جدي ، عن الحسين بن ذكوان ، حدثنا ابن بريدة ، حدثني عامر بن
شراحيل الشعبي ، شعب همدان ، أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس ، وكانت من
المهاجرات الأول ، فقال : حدثيني حديثا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
تسنديه إلى أحد غيره . فقالت : لئن شئت لأفعلن . فقال لها : أجل ، حدثيني . فقالت
: نكحت ابن المغيرة ، وهو من خيار شباب قريش يومئذ ، فأصيب في أول الجهاد مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم وخطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه أسامة بن
زيد ، وكنت قد حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحبني فليحب
أسامة " . فلما كلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت؟ أمري بيدك ، فأنكحني
من شئت . فقال : " انتقلي إلى أم شريك " . وأم شريك امرأة غنية من
الأنصار ، عظيمة النفقة في سبيل الله ، ينزل عليها الضيفان . فقلت : سأفعل . فقال
: " لا تفعلي; إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان ، وإني أكره أن يسقط عنك خمارك
، أو ينكشف الثوب عن ساقيك ، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين ، ولكن انتقلي إلى ابن
عمك عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم " . وهو رجل من بني فهر ، فهر قريش ، وهو
من البطن الذي هي منه . فانتقلت إليه ، فلما [ ص: 129 ] انقضت عدتي سمعت نداء
المنادي ، منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي : الصلاة جامعة . فخرجت إلى
المسجد ، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت في النساء اللاتي يلين ظهور
القوم ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك ،
فقال : " ليلزم كل إنسان مصلاه " . ثم قال : " أتدرون لم جمعتكم؟ " قالوا
: الله ورسوله أعلم . قال : " إني ، والله ، ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ،
ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا ، فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثا
وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال; حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين
رجلا من لخم وجذام ، فلعب بهم الموج شهرا في البحر ، ثم أرفئوا إلى جزيرة في البحر
حين مغرب الشمس ، فجلسوا في أقرب السفينة ، فدخلوا الجزيرة ، فلقيتهم دابة أهلب
كثير الشعر ، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر ، فقالوا : ويلك ، ما أنت؟
فقالت : أنا الجساسة . قالوا : وما الجساسة؟ قالت : أيها القوم ، انطلقوا إلى هذا الرجل
في الدير ، فإنه إلى خبركم بالأشواق . قال : لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون
شيطانة . قال : فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير ، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط
خلقا ، وأشده وثاقا ، مجموعة يداه إلى عنقه ، ما بين ركبتيه إلى كعبيه ، بالحديد .
قلنا : ويلك ، ما أنت؟ قال : قد قدرتم على خبري ، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا : [ ص:
130 ] نحن أناس من العرب ، ركبنا في سفينة بحرية ، فصادفنا البحر حين اغتلم ، فلعب
بنا الموج شهرا ، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه ، فجلسنا في أقربها ، فدخلنا الجزيرة ،
فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر ، لا ندري ما قبله من دبره من كثرة الشعر ، فقلنا :
ويلك ، ما أنت؟ فقالت : أنا الجساسة . قلنا : وما الجساسة؟ قالت : اعمدوا إلى هذا الرجل
في الدير; فإنه إلى خبركم بالأشواق . فأقبلنا إليك سراعا ، وفزعنا منها ، ولم نأمن
أن تكون شيطانة . فقال : أخبروني عن نخل بيسان . قلنا : عن أي شأنها تستخبر؟ قال :
أسألكم عن نخلها ، هل يثمر؟ قلنا له : نعم . قال : أما إنه يوشك أن لا تثمر . قال :
أخبروني عن بحيرة الطبرية . قلنا : عن أي شأنها تستخبر؟ قال : هل فيها ماء؟ قالوا
: هي كثيرة الماء . قال : أما إن ماءها يوشك أن يذهب . قال : أخبروني عن عين زغر .
قالوا : عن أي شأنها تستخبر؟ قال : هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟
قلنا له : نعم ، هي كثيرة الماء ، وأهلها يزرعون من مائها . قال : أخبروني عن نبي
الأميين ما فعل؟ قالوا : قد خرج من مكة ، ونزل يثرب . قال : أقاتله العرب؟ قلنا : نعم . قال : كيف
صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب ، وأطاعوه . قال لهم : قد كان
ذلك؟ قلنا : نعم . قال : أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه ، وإني مخبركم عني ، إني
أنا المسيح ، وإني يوشك أن يؤذن لي في الخروج ، فأخرج [ ص: 131 ] فأسير في الأرض ،
فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة ، فهما محرمتان علي كلتاهما
، كلما أردت أن أدخل واحدة ، أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا ، يصدني
عنها ، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها " . قالت : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وطعن بمخصرته في المنبر : " هذه طيبة ، هذه طيبة ، هذه طيبة " . يعني
المدينة . " ألا هل كنت حدثتكم عن ذلك؟ " فقال الناس : نعم . "
فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه ، وعن المدينة ومكة ، ألا إنه
في بحر الشام أو بحر اليمن ، لا بل من قبل المشرق ما هو ، من قبل المشرق ما هو
" . وأومأ بيده إلى المشرق ، قالت : فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه
وسلم .
ثم رواه مسلم من حديث سيار ، عن الشعبي ، عن فاطمة ،
قالت . فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو على المنبر يخطب ، فقال : " إن
بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر " . وساق الحديث .
ومن حديث غيلان بن جرير ، عن الشعبي ، عنها ، فذكرته :
أن تميما الداري ركب في البحر ، فتاهت به السفينة ، فسقط إلى جزيرة ، فخرج إليها
يلتمس الماء ، فلقي إنسانا يجر شعره ، واقتص الحديث ، وفيه : فأخرجه رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى الناس ، فحدثهم ، قال : " هذه طيبة ، وذاك الدجال " .
[ ص: 132 ] حدثني أبو بكر بن إسحاق ، حدثنا يحيى بن بكير
، حدثنا المغيرة ، يعني الحزامي ، عن أبي الزناد ، عن الشعبي ، عن فاطمة بنت قيس ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد على المنبر ، فقال : " أيها الناس ،
حدثني تميم الداري أن أناسا من قومه كانوا في البحر في سفينة لهم ، فانكسرت بهم ،
فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة ، فخرجوا إلى جزيرة في البحر " . وساق
الحديث ، وقد رواه أبو داود وابن ماجه ، من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن مجالد ،
عن الشعبي ، عنها ، بنحوه .
ورواه الترمذي من حديث قتادة ، عن الشعبي ، عنها ، وقال
: حسن صحيح غريب ، من حديث قتادة ، عن الشعبي .
ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة ، عن داود بن أبي
هند ، عن الشعبي ، عنها بنحوه ، وكذلك رواه الإمام أحمد ، عن عفان ، وعن يونس بن
محمد المؤدب ، كل منهما عن حماد بن سلمة به .
وقال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا مجالد ، عن
عامر ، قال : قدمت المدينة ، فأتيت فاطمة بنت قيس ، فحدثتني أن زوجها طلقها على
عهد [ ص: 133 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم
في سرية ، فقال لي أخوه : اخرجي من الدار . فقلت : إن لي نفقة وسكنى حتى يحل الأجل
. قال : لا . قالت : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إن فلانا طلقني
، وإن أخاه أخرجني ، ومنعني السكنى والنفقة . فأرسل إليه ، فقال : " ما لك ،
ولابنة آل قيس؟ " قال : يا رسول الله ، إن أخي طلقها ثلاثا جميعا . قالت : فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انظري يا ابنةآل قيس ، إنما النفقة والسكنى
للمرأة على زوجها ، ما كانت له عليها رجعة ، فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا
سكنى ، اخرجي فانزلي على فلانة " . ثم قال : " إنه يتحدث إليها ، انزلي على
ابن أم مكتوم; فإنه أعمى لا يراك " . ثم قال : " لا تنكحي حتى أكون أنا
أنكحك " .
قالت : فخطبني رجل من قريش ، فأتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم أستأمره ، فقال : " ألا تنكحين من هو أحب إلي منه؟ " فقلت : بلى ، يا رسول
الله ، فأنكحني من أحببت . قالت : فأنكحني من أسامة بن زيد . قال : فلما أردت أن أخرج ، قالت :
اجلس حتى أحدثك حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قالت : خرج رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يوما من
الأيام ، فصلى صلاة الهاجرة ، ثم قعد ففزع الناس ، فقال : " اجلسوا أيها
الناس ، فإني لم أقم مقامي هذا لفزع ، ولكن تميما الداري أتاني فأخبرني خبرا منعني
من القيلولة; من الفرح وقرة العين ، فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم . أخبرني أن
رهطا من بني عمه ركبوا البحر ، فأصابتهم ريح عاصف ، فألجأتهم الريح إلى [ ص: 134 ]
جزيرة لا يعرفونها فقعدوا في قويرب سفينة ، حتى خرجوا إلى الجزيرة ، فإذا هم بشيء
أهلب كثير الشعر ، لا يدرون أرجل هو أو امرأة؟ فسلموا عليه ، فرد عليهم السلام ،
فقالوا : ألا تخبرنا؟ فقال : ما أنا بمخبركم ، ولا بمستخبركم ، ولكن هذا الدير
الذي قد رهقتموه فيه من هو إلى خبركم بالأشواق أن يخبركم ويستخبركم . قالوا : قلنا
: ما أنت؟ قال : أنا الجساسة . فانطلقوا حتى أتوا الدير ، فإذا هم برجل موثق شديد
الوثاق ، مظهر الحزن كثير التشكي ، فسلموا عليه ، فرد عليهم ، فقال : ممن أنتم؟ قالوا
: من العرب . قال : ما فعلت العرب؟ أخرج نبيهم بعد؟ قالوا : نعم . قال : فما فعلوا؟ قالوا : خيرا
، آمنوا به وصدقوه . قال : ذلك خير لهم . قال : فكان له عدو فأظهره الله عليهم؟
قال : فالعرب اليوم إلههم واحد ، ودينهم واحد ، وكلمتهم واحدة؟ قالوا : نعم . قال
: فما فعلت عين زغر؟ قالوا : صالحة ، يشرب منها أهلها ، تسقيهم ، ويسقون منها
زرعهم . قال : فما فعل نخل بين عمان وبيسان؟ قالوا : صالح ، يطعم جناه كل عام .
قال " فما فعلت بحيرة الطبرية؟ قالوا : ملأى . قال : فزفر ثم زفر ثم زفر ، ثم
حلف : لو خرجت من مكاني هذا ما تركت أرضا من أرض الله إلا وطئتها غير طيبة ، ليس
لي عليها سلطان " . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إلى
هذا انتهى فرحي " . ثلاث مرات . " إن طيبة المدينة ، إن الله ، عز وجل ،
حرم [ ص: 135 ] حرمها على الدجال أن يدخلها " . ثم حلف رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " والله الذي لا إله إلا هو ما لها طريق ضيق ولا واسع في سهل ولا
جبل إلا عليه ملك شاهر بالسيف إلى يوم القيامة ، ما يستطيع الدجال أن يدخلها على
أهلها " .
قال عامر : فلقيت المحرر بن أبي هريرة ، فحدثته بحديث
فاطمة بنت قيس ، فقال : أشهد على أبي أنه حدثني كما حدثتك فاطمة ، غير أنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه في نحو المشرق " . قال : ثم
لقيت القاسم بن محمد ، فذكرت له حديث فاطمة ، فقال : أشهد على عائشة أنها حدثتني كما حدثتك
فاطمة غير أنها قالت : " الحرمان عليه حرام ، مكة والمدينة " .
وقد رواه أبو داود وابن ماجه ، من حديث إسماعيل بن أبي
خالد ، عن مجالد ، عن عامر الشعبي ، عن فاطمة بنت قيس ، بسطه ابن ماجه ، وأحاله
أبو داود على الحديث الذي رواه قبله ، ولم يذكر متابعة أبي هريرة ، وعائشة ، كما
ذكر ذلك الإمام أحمد .
وقال أبو داود : حدثنا النفيلي ، ثنا عثمان بن عبد
الرحمن ، ثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن فاطمة بنت قيس ، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أخر العشاء الآخرة ذات ليلة ، ثم خرج فقال : " إنه
حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل في جزيرة من جزائر البحر ، فإذا أنا
بامرأة تجر شعرها ، قال : ما أنت؟ قالت : أنا الجساسة ، اذهب إلى ذلك القصر .
فأتيته ، [ ص: 136 ] فإذا رجل يجر شعره ، مسلسل في الأغلال ، ينزو فيما بين السماء والأرض
، فقلت : من أنت؟ قال : أنا الدجال ، خرج نبي الأميين بعد؟ قلت : نعم . قال :
أطاعوه أم عصوه؟ قلت : بل أطاعوه . قال : ذاك خير لهم . فهذه متابعة للشعبي ، عن
فاطمة بنت قيس ببعضه ، ثم أورد أبو داود حديث عبد الله بن بريدة ، عن عامر الشعبي
، عن فاطمة بنت قيس ، بطوله كنحو مما تقدم .
ثم قال أبو داود : حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن
فضيل ، عن الوليد بن عبد الله بن جميع ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر : " إنه بينما أناس يسيرون
في البحر ، فنفد طعامهم ، فرفعت لهم جزيرة ، فخرجوا يريدون الخبز ، فلقيتهم
الجساسة " . قلت لأبي سلمة : وما الجساسة؟ قال : امرأة تجر شعر جلدها ورأسها
. فقالت : في هذا القصر . وذكر الحديث ، وسأل عن نخل بيسان ، وعين زغر . قال : هو
المسيح . فقال لي ابن أبي سلمة : إن في هذا الحديث شيئا ما حفظته . قال : شهد جابر
أنه ابن صياد . قلت : فإنه قد مات . قال : وإن مات . قلت : فإنه أسلم . قال :
وإن أسلم . قلت : فإنه قد دخل المدينة
. قال : وإن دخل المدينة . تفرد به أبو داود ، وهو غريب
جدا .
[ ص:
137 ] وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن أبي بكر ،
حدثنا أبو عاصم سعد بن زياد ، حدثني نافع مولاي ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم استوى على المنبر ، فقال : " حدثني تميم " . فرأى تميما
في ناحية المسجد ، فقال : " يا تميم ، حدث الناس ما حدثتني " . فقال :
كنا في جزيرة ، فإذا نحن بدابة لا يدرى قبلها من دبرها . فقالت : تعجبون من خلقي ،
وفي الدير من يشتهي كلامكم! فدخلنا الدير ، فإذا نحن برجل موثق في الحديد ، من كعبه
إلى أذنه ، وإذا أحد منخريه مسدود ، وإحدى عينيه مطموسة ، والأخرى كأنها كوكب دري
. قال : من أنتم؟ فأخبرناه ، فقال : ما فعلت بحيرة طبرية؟ قلنا : كعهدها . قال :
فما فعل نخل بيسان؟ قلنا : بعهده . قال : لأطأن الأرض بقدمي هاتين ، إلا بلدة
إبراهيم وطابا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " طابا هي المدينة
" . وهذا حديث غريب جدا .
وقد قال أبو حاتم : أبو عاصم هذا ليس بالمتين .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن سابق ، حدثنا إبراهيم
بن طهمان ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله أنه قال : إن امرأة من اليهود
بالمدينة ولدت غلاما ممسوحة عينه ، طالعة ناتئة ، فأشفق رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يكون الدجال ، فوجده تحت قطيفة يهمهم ، فآذنته أمه فقالت : يا عبد الله ، هذا
أبو القاسم قد [ ص: 138 ] جاء فاخرج إليه . فخرج من القطيفة ، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " ما لها قاتلها الله؟ لو تركته لبين " .
ثم قال : " يا ابن صياد ما ترى؟ " قال : أرى
حقا ، وأرى باطلا ، وأرى عرشا على الماء . قال : فلبس عليه . فقال : " أتشهد
أني رسول الله؟ " . فقال هو :
أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " آمنت بالله ورسله " . ثم خرج وتركه ، ثم أتاه مرة أخرى ، فوجده في
نخل له يهمهم ، فآذنته أمه ، فقال : يا عبد الله ، هذا أبو القاسم قد جاء . فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما لها قاتلها الله؟ لو تركته لبين "
. قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطمع أن يسمع من كلامه شيئا؟ ليعلم أهو
هو أم لا؟ قال : " يا ابن صياد ما ترى؟ " . قال : أرى حقا ، وأرى باطلا
، وأرى عرشا على الماء . قال : " أتشهد أني رسول الله؟ " . قال هو :
أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمنت بالله
ورسله " . فلبس عليه ، ثم خرج وتركه . ثم جاء في الثالثة أو الرابعة ومعه
أبو بكر وعمر بن الخطاب في نفر من المهاجرين والأنصار وأنا معه . قال : فبادر رسول
الله صلى الله عليه وسلم بين أيدينا ، ورجا أن يسمع من كلامه شيئا ، فسبقته أمه
إليه ، فقالت : يا عبد الله ، هذا أبو القاسم قد جاء . فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " ما لها قاتلها الله؟ لو تركته لبين " . فقال : " يا ابن
صياد ما ترى؟ " . قال : أرى حقا ، وأرى باطلا ، وأرى عرشا على الماء . قال : "
أتشهد أني رسول الله؟ " . قال : أتشهد [ ص: 139 ] أنت أني رسول الله؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمنت بالله ورسله " . فلبس عليه . فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " يا ابن صياد ، إنا قد خبأنا لك خبيئا ، فما هو؟
" . قال : الدخ ، الدخ . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخسأ
اخسأ " . فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ائذن لي فأقتله يا رسول الله .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن يكن هو فلست صاحبه ، إنما صاحبه
عيسى ابن مريم ، وإن لا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلا من أهل العهد " . قال -
يعني جابرا - : فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشفقا أنه الدجال . وهذا
سياق غريب جدا .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا المعتمر ، عن
أبيه ، عن سليمان الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود قال : بينما
نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نمشي إذ مر بصبيان يلعبون ، فيهم ابن صياد ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تربت يداك ، أتشهد أني رسول الله؟
" فقال هو : أتشهد أني رسول الله؟ قال : فقال عمر بن الخطاب ، رضي الله تعالى
عنه : دعني فلأضرب عنقه . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن
يكن الذي تخاف فلن تستطيعه " . والأحاديث الواردة في ابن صياد كثيرة ، وفي
بعضها التوقف في أمره ، هل هو الدجال أم لا؟ فالله أعلم . ويحتمل أن يكون هذا قبل أن
يوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الدجال وتعيينه ، وقد تقدم حديث
تميم الداري في ذلك ، وهو فاصل في هذا المقام ، وسنورد من الأحاديث ما يدل على أن
الدجال ليس بابن صياد . والله سبحانه أعلم؟ فقال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ،
حدثنا [ ص: 140 ] الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن عبد الله بن عمر ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أنا نائم أطوف بالكعبة ، فإذا
رجل آدم ، سبط الشعر ، ينطف - أو : يهراق - رأسه ماء ، قلت : من هذا؟ قالوا : ابن مريم . ثم
ذهبت ألتفت ، فإذا رجل جسيم ، أحمر ، جعد الرأس ، أعور العين ، كأن عينه عنبة
طافية ، قالوا : هذا الدجال ، أقرب الناس به شبها ابن قطن ، رجل من خزاعة " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن سابق ، حدثنا إبراهيم
بن طهمان ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، أنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " يخرج الدجال في خفة من الدين ، وإدبار من العلم ، فله
أربعون ليلة يسيحها في الأرض ، اليوم منها كالسنة ، واليوم منها كالشهر ، واليوم
منها كالجمعة ، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه ، وله حمار يركبه ، عرض ما بين أذنيه أربعون
ذراعا ، فيقول للناس : أنا ربكم . وهو أعور - وإن ربكم ليس بأعور - مكتوب بين عينيه
: كافر ، ك ف ر مهجاة ، يقرؤه كل مؤمن ، كاتب وغير كاتب ، يرد كل ماء ومنهل إلا
المدينة ومكة; حرمهما الله عليه ، وقامت الملائكة بأبوابها ، ومعه جبال من خبز ،
والناس في جهد إلا من اتبعه ، ومعه نهران - أنا أعلم بهما منه ، [ ص: 141 ] نهر
يقول : الجنة . ونهر يقول : النار
. فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهو النار ، ومن أدخل الذي
يسميه النار فهو الجنة " . قال : " وتبعث معه شياطين تكلم الناس ، ومعه
فتنة عظيمة ، يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس ، ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى
الناس ، لا يسلط على غيرها ، ويقول للناس : هل يفعل مثل هذا إلا الرب عز وجل؟
" قال : " فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام ، فيأتيهم فيحاصرهم ،
فيشتد حصارهم ، ويجهدهم جهدا شديدا ، ثم ينزل عيسى ابن مريم ، فينادي من السحر ،
فيقول : يا أيها الناس ، ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون : هذا
رجل جني . فينطلقون ، فإذا هم بعيسى ابن مريم فتقام الصلاة ، فيقال له : تقدم يا
روح الله . فيقول : ليتقدم إمامكم فليصل بكم . فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه
" قال : " فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء ، فيمشي
إليه فيقتله ، حتى إن الشجرة والحجر ينادي : يا روح الله ، هذا يهودي ، فلا يترك
ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله " . تفرد به أحمد أيضا ، وقد رواه غير واحد ، عن
إبراهيم بن طهمان ، وهو ثقة .
التالي السابق
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص
الشعبي ( ع
)
عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار -وذو كبار : قيل من
أقيال [ ص: 295 ] اليمن - الإمام ، علامة العصر ، أبو عمرو الهمداني ثم الشعبي .
ويقال : هو عامر بن عبد الله ، وكانت أمه من سبي جلولاء .
مولده في إمرة عمر بن الخطاب لست سنين خلت منها . فهذه
رواية .
وقيل : ولد سنة إحدى وعشرين . قاله شباب .
وكانت جلولاء في سنة سبع عشرة .
وروى ابن عيينة عن السري بن إسماعيل ، عن الشعبي ، قال :
ولدت عام جلولاء فهذه رواية منكرة ، وليس السري بمعتمد ، قد اتهم .
وعن أحمد بن يونس : ولد الشعبي سنة ثمان وعشرين . [ ص:
296 ] ويقاربها رواية حجاج الأعور عن شعبة ، قال لي أبو إسحاق : الشعبي أكبر مني
بسنة أو سنتين .
قلت : وإنما ولد أبو إسحاق بعد سنة اثنتين وثلاثين .
وقال محمد بن سعد هو من حمير ، وعداده في همدان .
قلت : رأى عليا -رضي الله عنه- وصلى خلفه ، وسمع من عدة
من كبراء الصحابة .
وحدث عن سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبي موسى
الأشعري ، وعدي بن حاتم ، وأسامة بن زيد ، وأبي مسعود البدري ، وأبي هريرة ، وأبي
سعيد ، وعائشة ، وجابر بن سمرة وابن عمر ، وعمران بن حصين ، والمغيرة بن شعبة ، وعبد
الله بن عمرو ، وجرير بن عبد الله ، وابن عباس ، وكعب بن عجرة ، وعبد الرحمن بن
سمرة ، وسمرة بن جندب ، والنعمان بن بشير ، والبراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ،
وبريدة بن الحصيب ، والحسن بن علي ، وحبشي بن جنادة ، والأشعث بن قيس الكندي ،
ووهب بن خنبش الطائي ، وعروة بن مضرس ، وجابر بن عبد الله ، وعمرو بن حريث ، وأبي
سريحة الغفاري ، وميمونة ، وأم سلمة ، وأسماء بنت عميس ، وفاطمة بنت قيس ، وأم
هانئ ، وأبي جحيفة السوائي ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وعبد الله بن يزيد الأنصاري
، وعبد الرحمن بن أبزى ، وعبد الله بن الزبير ، والمقدام بن معد يكرب ، وعامر بن
شهر ، وعروة بن الجعد البارقي ، وعوف بن مالك الأشجعي ، وعبد الله بن مطيع بن
الأسود العدوي ، وأنس بن مالك ، ومحمد بن صيفي ، وغير هؤلاء الخمسين من الصحابة . [ ص: 297 ] وحدث
عن علقمة ، والأسود ، والحارث الأعور ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والقاضي شريح
وعدة .
روى عنه الحكم ، وحماد ، وأبو إسحاق ، وداود بن أبي هند
، وابن عون وإسماعيل بن أبي خالد ، وعاصم الأحول ، ومكحول الشامي ، ومنصور بن عبد
الرحمن الغداني ، وعطاء بن السائب ، ومغيرة بن مقسم ، ومحمد بن سوقة ، ومجالد ،
ويونس بن أبي إسحاق ، وابن أبي ليلى ، وأبو حنيفة ، وعيسى بن أبي عيسى الحناط وعبد
الله بن عياش المنتوف ، وأبو بكر الهذلي ، وأمم سواهم .
وقبيلته : من كان منهم بالكوفة قيل : شعبي . ومن كان بمصر قيل : الأشعوبي .
ومن كان باليمن قيل لهم : آل ذي شعبين ، ومن كان بالشام قيل : الشعباني .
وأرى قبيلة شعبان نزلت بمرج " كفربطنا " فعرف
بهم ، وهم جميعا ولد حسان بن عمرو بن شعبين .
قال الحاكم أبو عبد الله : فبنو علي بن حسان بن عمرو رهط
عامر الشعبي ، دخلوا في جمهور همدان . وكان الشعبي توأما ضئيلا فكان يقول : إني
زوحمت في الرحم .
قال : وأقام بالمدينة ثمانية أشهر هاربا من المختار ، فسمع
من ابن عمر وتعلم الحساب من الحارث الأعور ، وكان حافظا وما كتب شيئا قط .
قال ابن سعد أنبأنا عبد الله بن محمد بن مرة الشعباني ، حدثني
[ ص: 298 ] أشياخ من شعبان ، منهم محمد بن أبي أمية -وكان عالما- أن مطرا أصاب
اليمن ، فجحف السيل موضعا فأبدى عن أزج عليه باب من حجارة ، فكسر الغلق ودخل ،
فإذا بهو عظيم فيه سرير من ذهب ، فإذا عليه رجل شبرناه ، فإذا طوله اثنا عشر شبرا
، وإذا عليه جباب من وشي منسوجة بالذهب ، وإلى جنبه محجن من ذهب على رأسه ياقوتة
حمراء ، وإذا رجل أبيض الرأس واللحية ، له ضفران ، وإلى جنبه لوح مكتوب فيه
بالحميرية : باسمك اللهم رب حمير أنا حسان بن عمرو القيل إذ لا قيل إلا الله ، عشت
بأمل ، ومت بأجل ، أيام وخزهيد وما وخزهيد؟ هلك فيه اثنا عشر ألف قيل ، فكنت آخرهم
قيلا ، فأتيت جبل ذي شعبين ليجيرني من الموت فأخفرني . وإلى جنبه سيف مكتوب فيه :
أنا قيل بي يدرك الثأر .
شعبة ، عن منصور بن عبد الرحمن ، عن الشعبي ، قال :
أدركت خمس مائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . سعيد بن عبد العزيز ، عن
مكحول ، قال : ما رأيت أحدا أعلم من الشعبي .
هشيم
: أنبأنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي ، قال : ما مات ذو
قرابة [ ص: 299 ] لي وعليه دين ، إلا وقضيت عنه ، ولا ضربت مملوكا لي قط ، ولا
حللت حبوتي إلى شيء مما ينظر الناس . أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، قال : ما
رأيت أحدا قط كان أفقه من الشعبي . قلت : ولا شريح ؟ فغضب وقال : إن شريحا لم أنظر
أمره .
زائدة ، عن مجالد ، قال : كنت مع إبراهيم في أصحاب الملا
، فأقبل الشعبي ، فقام إليه إبراهيم ، فقال له : يا أعور ، لو أن أصحابي أبصروك !
ثم جاء ، فجلس في موضع إبراهيم . سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، قال : ما رأيت
أحدا أفقه من الشعبي ; لا سعيد بن المسيب ، ولا طاوس ، ولا عطاء ، ولا الحسن ، ولا
ابن سيرين ، فقد رأيت كلهم . عبد الله بن رجاء : حدثنا جرير بن أيوب ، قال : سأل رجل
الشعبي عن ولد الزنا شر الثلاثة هو؟ فقال : لو كان كذلك ، لرجمت أمه وهو في بطنها
، ولم تؤخر حتى تلد . [ ص: 300
] ابن حميد : حدثنا حر ، عن مغيرة ، قال رجل من
الكيسانية عند الشعبي : كانت عائشة من أبغض زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه .
قال : خالفت سنة نبيك . علي بن القاسم ، عن أبي بكر الهذلي ، قال لي ابن سيرين :
الزم الشعبي ; فلقد رأيته يستفتى وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوافرون .
قال أبو الحسن المدائني في كتاب الحكمة : قيل للشعبي : من أين لك كل
هذا العلم؟ قال : بنفي الاغتمام ، والسير في البلاد ، وصبر كصبر الحمام ، وبكور
كبكور الغراب . قال ابن عيينة : علماء الناس ثلاثة ; ابن عباس في زمانه ، والشعبي في زمانه
، والثوري في زمانه .
قال ابن سعد كان الشعبي ضئيلا نحيفا ، ولد هو وأخ له
توأما . [ ص: 301 ] قال أحمد بن عبد الله العجلي : سمع الشعبي من ثمانية وأربعين
من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ولا يكاد يرسل إلا صحيحا .
روى عقيل بن يحيى : حدثنا أبو داود ، عن شعبة ، عن منصور
الغداني ، عن الشعبي ، قال : أدركت خمسمائة صحابي أو أكثر يقولون : أبو بكر وعمر
وعثمان وعلي .
وأما عمرو بن مرزوق ، فرواه عن شعبة ، وفيه : يقولون :
علي وطلحة والزبير في الجنة . ابن فضيل ، عن ابن شبرمة : سمعت الشعبي يقول : ما
كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا ، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته ، ولا أحببت
أن يعيده علي .
هذا سماعنا في " مسند الدارمي " .
أنبأنا مالك بن إسماعيل ، أنبأنا ابن فضيل : فكأن الشعبي
يخاطبك به ; وهذا يدل على أنه أمي لا كتب ولا قرأ .
الفسوي في " تاريخه " حدثنا الحميدي حدثنا
سفيان ، حدثنا ابن شبرمة ، سمعت الشعبي يقول : ما سمعت منذ عشرين سنة رجلا يحدث
بحديث إلا أنا أعلم به منه ، ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه رجل ، لكان به عالما .
نوح بن قيس ، عن يونس بن مسلم ، عن وادع الراسبي ، عن الشعبي [ ص: 302 ] قال : ما
أروي شيئا أقل من الشعر ، ولو شئت لأنشدتكم شهرا لا أعيد .
ورويت عن نوح مرة فقال : عن يونس ووادع . محمود بن غيلان
: سمعت أبا أسامة يقول : كان عمر في زمانه رأس الناس وهو جامع ، وكان بعده ابن
عباس في زمانه ، وكان بعد الشعبي في زمانه ، وكان بعده الثوري في زمانه ، ثم كان
بعده يحيى بن آدم . شريك ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : مر ابن عمر بالشعبي وهو
يقرأ المغازي ، فقال : كأن هذا كان شاهدا معنا ، ولهو أحفظ لها مني وأعلم . أشعب
بن سوار ، عن ابن سيرين ، قال : قدمت الكوفة وللشعبي حلقة عظيمة ، والصحابة يومئذ
كثير . ابن عيينة ، عن داود بن أبي هند ، قال : ما جالست أحدا أعلم من الشعبي .
وقال عاصم بن سليمان : ما رأيت أحدا أعلم بحديث أهل الكوفة
والبصرة والحجاز والآفاق من الشعبي . أبو معاوية : سمعت الأعمش يقول : قال الشعبي : ألا
تعجبون من هذا الأعور ؟ ! يأتيني بالليل فيسألني ويفتي بالنهار - يعني إبراهيم .
أبو شهاب ، عن الصلت بن بهرام ، قال : ما بلغ أحد مبلغ الشعبي ; أكثر منه يقول لا
أدري . [ ص: 303 ] أبو عاصم ، عن ابن عون ، قال : كان الشعبي إذا جاءه شيء اتقاه ،
وكان إبراهيم يقول ويقول . جعفر بن عون ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : كان
إبراهيم صاحب قياس ، والشعبي صاحب آثار . ابن المبارك ، عن ابن عون : كان الشعبي
منبسطا ، وكان إبراهيم منقبضا ; فإذا وقعت الفتوى انقبض الشعبي ، وانبسط إبراهيم .
وقال سلمة بن كهيل : ما اجتمع الشعبي وإبراهيم إلا سكت
إبراهيم . أبو نعيم : حدثنا أبو الجابية الفراء ، قال : قال الشعبي : إنا لسنا بالفقهاء
، ولكنا سمعنا الحديث فرويناه ، ولكن الفقهاء من إذا علم عمل . مالك بن مغول : سمعت الشعبي يقول :
ليتني لم أكن علمت من ذا العلم شيئا
.
قلت : لأنه حجة على العالم ، فينبغي أن يعمل به ، وينبه
الجاهل ، فيأمره وينهاه ; ولأنه مظنة أن لا يخلص فيه ، وأن يفتخر به ويماري به ،
لينال رئاسة ودنيا فانية . الحميدي : حدثنا سفيان ، عن ابن شبرمة : سئل الشعبي عن شيء
فلم يجب فيه ، فقال رجل عنده : أبو عمرو يقول فيه كذا وكذا . فقال : الشعبي : [ ص:
304 ] هذا في المحيا ، فأنت في الممات علي أكذب .
قال ابن عائشة : وجه عبد الملك بن مروان الشعبي إلى ملك
الروم - يعني رسولا - فلما انصرف من عنده قال : يا شعبي ، أتدري ما كتب به إلي ملك
الروم ؟ قال : وما كتب به يا أمير المؤمنين ؟ قال : كنت أتعجب لأهل ديانتك ، كيف
لم يستخلفوا عليهم رسولك . قلت : يا أمير المؤمنين لأنه رآني ولم يرك . أوردها الأصمعي
. وفيها قال : يا شعبي ، إنما أراد أن يغريني بقتلك . فبلغ ذلك ملك الروم فقال :
لله أبوه ، والله ما أردت إلا ذاك . يوسف بن بهلول الحافظ : حدثنا جابر بن نوح ،
حدثني مجالد عن الشعبي ، قال : لما قدم الحجاج سألني عن أشياء من العلم فوجدني بها
عارفا ، فجعلني عريفا على قومي الشعبيين ومنكبا على جميع همدان وفرض لي ، فلم أزل
عنده بأحسن منزلة ، حتى كان شأن عبد الرحمن بن الأشعث ، فأتاني قراء أهل الكوفة ،
فقالوا : يا أبا عمرو ، إنك زعيم القراء ، فلم يزالوا حتى خرجت معهم ، فقمت بين
الصفين أذكر الحجاج وأعيبه بأشياء ، فبلغني أنه قال : ألا تعجبون من هذا الخبيث !
أما لئن أمكنني الله منه ، لأجعلن الدنيا عليه أضيق من مسك جمل . قال : فما لبثنا
أن هزمنا ، فجئت إلى بيتي ، وأغلقت علي ، فمكثت تسعة أشهر ، فندب الناس لخراسان ،
فقام قتيبة بن مسلم ، فقال : أنا لها ، فعقد له على خراسان ، فنادى مناديه : من
لحق بعسكر قتيبة فهو آمن . فاشترى مولى لي حمارا ، وزودني ، ثم خرجت ، فكنت في
العسكر ، فلم أزل معه حتى أتينا فرغانة [ ص: 305 ] فجلس ذات يوم وقد برق فنظرت إليه
فقلت : أيها الأمير ، عندي علم ما تريد . فقال : ومن أنت ؟ قلت : أعيذك ألا تسأل
عن ذاك ، فعرف أني ممن يخفي نفسه ، فدعا بكتاب فقال : اكتب نسخة . قلت : لا تحتاج
إلى ذلك ، فجعلت أمل عليه وهو ينظر حتى فرغ من كتاب الفتح .
قال : فحملني على بغلة وأرسل إلي بسرق من حرير ، وكنت
عنده في أحسن منزلة ، فإني ليلة أتعشى معه ، إذا أنا برسول الحجاج بكتاب فيه : إذا
نظرت في كتابي هذا ، فإن صاحب كتابك عامر الشعبي ، فإن فاتك ، قطعت يدك على رجلك
وعزلتك .
قال :
فالتفت إلي ، وقال : ما عرفتك قبل الساعة ، فاذهب حيث
شئت من الأرض ، فوالله لأحلفن له بكل يمين . فقلت : أيها الأمير إن مثلي لا يخفى .
فقال : أنت أعلم . قال : فبعثني إليه وقال : إذا وصلتم إلى خضراء واسط فقيدوه ،
ثم أدخلوه على الحجاج .
فلما دنوت من واسط ، استقبلني ابن أبي مسلم ، فقال : يا
أبا عمرو ، إني لأضن بك عن القتل ، إذا دخلت على الأمير فقل كذا وقل كذا . فلما
أدخلت عليه ورآني قال : لا مرحبا ولا أهلا ، جئتني ولست في الشرف من قومك ، ولا
عريفا ، ففعلت وفعلت ، ثم خرجت علي . وأنا ساكت . فقال : تكلم . فقلت : أصلح الله
الأمير ، كل ما قلته حق ، ولكنا قد اكتحلنا بعدك السهر ، وتحلسنا الخوف ، ولم نكن
مع ذلك بررة أتقياء ، ولا فجرة أقوياء ، فهذا أوان حقنت لي دمي ، واستقبلت بي
التوبة . قال : قد فعلت ذلك . [
ص: 306 ] وقال الأصمعي : لما أدخل الشعبي على الحجاج قال
: هيه يا شعبي . . فقال : أحزن بنا المنزل ، واستحلسنا الخوف فلم نكن فيما فعلنا
بررة أتقياء ، ولا فجرة أقوياء . فقال : لله درك .
قال ابن سعد قال أصحابنا : كان الشعبي فيمن خرج مع
القراء على الحجاج ، ثم اختفى زمانا ، وكان يكتب إلى يزيد بن أبي مسلم أن يكلم فيه
الحجاج .
عرض في كتاب سير
أعلام النبلاء
م